الكلام على ذلك [ثمود : ٦٧ ، ٦٨]. وإنّما ذكر هذه اللفظة ، وقاس حالهم على ثمود ؛ لأنه تعالى عذّبهم بمثل عذاب ثمود.
قوله : (كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ) العامّة : على كسر العين م ن «بعد يبعد» بكسر العين في الماضي وفتحها في المضارع بمعنى هلك ؛ قال : [الطويل]
٣٠١٠ ـ يقولون لا تبعدوهم يدفنونه |
|
ولا بعد إلّا ما تواري الصّفائح (١) |
أرادت العرب أن تفرق بين المعنيين بتغيير فقالوا : «بعد» بالضمّ ضد القرب ، و «بعد» بالكسر ضد السّلامة ، والمصدر البعد بالفتح في العين.
وقرأ السّلمي وأبو حيوة «بعدت» (٢) بالضم أخذه من ضدّ القرب ؛ لأنّهم إذا هلكوا فقد بعدوا ، ومن هذا قول الشّاعر : [الكامل]
٣٠١١ ـ من كان بينك في التّراب وبينه |
|
شبران فهو بغاية البعد (٣) |
وقال النّحّاس (٤) : المعروف في اللغة : بعد يبعد بعدا وبعدا ، إذا هلك ، وبعد يبعد في ضدّ القرب.
وقال ابن قتيبة : بعد يبعد إذا كان بعده هلكة ، وبعد يبعد إذا نأى فهو موافق للنحاس.
وقال المهدوي : «بعد» يستعمل في الخير والشّر ، و «بعد» في الشرّ خاصة.
وقال ابن الأنباري : من العرب من يسوّي بين الهلاك والبعد الذي هو ضدّ القرب ، فيقول فيهما : بعد يبعد ، وبعد يبعد ؛ وأنشدوا قول مالك : [الطويل]
٣٠١٢ ـ يقولون لا تبعد وهم يدفنونني |
|
وأين مكان البعد إلّا مكانيا؟ (٥) |
قيل : يرو ى «لا تبعد» بالوجهين.
وفي هذه الآية نوع من علم البيان يسمّى الاستطراد ، وهو أن تمدح شيئا أو تذمّه ، ثم تأتي آخر الكلام بشيء هو غرضك في أوّله ، قالوا : ولم يأتي في القرآن غيره ، وأنشدوا في ذلك قول حسان : [الكامل]
٣٠١٣ ـ إن كنت كاذبة الذي حدّثتني |
|
فنجوت منجى الحارث بن هشام |
ترك الأحبّة أن يقاتل دونهم |
|
ونجا برأس طمرّة ولجام (٦) |
__________________
(١) تقدم.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٢٥ والمحرر الوجيز ٣ / ٢٠٤ والبحر المحيط ٥ / ٢٥٧ والدر المصون ٤ / ١٢٧.
(٣) ينظر البيت في حاشية الشهاب على البيضاوي ٥ / ١٣٢ وروح المعاني ١٢ / ١٢٩ والدر المصون ٤ / ١٢٧.
(٤) ينظر : إعراب القرآن ٢ / ١٠٩.
(٥) ينظر البيت في أمالي القالي ٣ / ١٣٧ والبحر المحيط ٥ / ٢٥٨ والمغني ١ / ٢٤٧ واللسان «بعد» وروح المعاني ١٢ / ٢٩ والدر المصون ٤ / ١٢٧.
(٦) ينظر البيتان في ديوانه (٢١٤) والأغاني ٤ / ١٦٩ والبحر المحيط ٥ / ٢٥٨ وروح المعاني ١٢ / ١٣٠ وعيون الأخبار ١ / ١٦٩ والدر المصون ٤ / ١٢٧.