قال الزمخشريّ (١) : فإن قلت : أيّ فرق بين إدخال الفاء ونزعها في (سَوْفَ تَعْلَمُونَ)؟.
قلت : إدخال الفاء وصل ظاهر بحرف موضوع للوصل ، ونزعها وصل خفيّ تقديريّ بالاستئناف الذي هو جواب لسؤال مقدّر كأنهم قالوا : فماذا يكون إذا عملنا نحن على مكانتنا ، وعملت أنت على مكانتك؟ فقيل سوف تعلمون ، فوصل تارة بالفاء ، وتارة بالاستئناف للتّفنّن في البلاغة ، كما هو عادة البلغاء من العرب ، وأقوى الوصلين وأبلغهما الاستئناف».
ثم قال : (وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ) أي : وانتظروا العذاب إنّي معكم منتظر. والرقيب : بمعنى الرّاقب من رقبه كالضّريب والصّريم بمعنى الضّارب والصّارم ، أو بمعنى المراقب ، أو بمعنى المرتقب كالفقير والرفيع بمعنى المفتقر والمرتفع.
قوله تعالى : (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) الآية.
قال الزمخشريّ : فإن قلت : ما بال ساقتي قصة عاد وقصة مدين جاءتا بالواو ، والسّاقتان الوسطيان بالفاء؟ قلت : قد وقعت الوسطيان بعد ذكر الوعد ، وذلك قوله : (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ) [هود : ٨١] ، (ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ) [هود : ٦٥] فجاء بالفاء التي للتسبّب كما تقول : «وعدته فلما جاء الميعاد كان كيت وكيت» ، وأمّا الأخريان فلم تقعا بتلك المنزلة ، وإنّما وقعتا مبتدأتين فكان حقّهما أن تعطفا بحرف الجمع على ما قبلهما ، كما تعطف قصة على قصّة».
قوله : (نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا).
روى الكلبي عن ابن عبّاس قال : لم يعذب الله أمتين بعذاب واحد إلّا قوم شعيب وقوم صالح ، فأمّا قوم صالح ؛ فأخذتهم الصيحة من تحتهم ، وقوم شعيب أخذتهم من فوقهم (٢).
وقوله : (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) يحتمل أن يكون المراد منه ، ولما جاء وقت أمرنا ملكا من الملائكة بتلك الصّيحة ، ويحتمل أن يكون المراد من الأمر العذاب ، وعلى التقديرين فأخبر الله أنّه نجّى شعيبا ومن معه من المؤمنين.
وفي قوله : (بِرَحْمَةٍ مِنَّا) وجهان :
الأول : أنّه تعالى إنّما خلّصه من ذلك العذاب لمحض رحمته ، تنبيها على أنّ كلّ ما يصل إلى العبد ليس إلّا بفضل الله ورحمته.
والثاني : أنّ المراد من الرّحمة الإيمان والطّاعة وهي أيضا ما حصلت إلّا بتوفيق الله.
ثم قال : (وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) وعرّف «الصّيحة» بالألف واللّام إشارة إلى المعهود السّابق وهي صيحة جبريل. (فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها) تقدم
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٢٤.
(٢) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٦٢١٩) عن ابن عباس.