قال : أنتم تزعمون أنّكم تركتم قتلي إكراما لرهطي ، فالله تعالى أولى أن يتبع أمره ، أي : حفظكم إيّاي رعاية لأمر الله أولى من حفظكم إيّاي رعاية لحقّ رهطي.
قوله : (وَاتَّخَذْتُمُوهُ) يجوز أن تكون المتعدية لاثنين.
أولهما : «الهاء».
والثاني : «ظهريّا» ويجوز أن يكون الثاني هو الظّرف و «ظهريّا» حال ، وأن تكون المتعدية لواحد ؛ فيكون «ظهريّا» حالا فقط.
ويجوز في «وراءكم» أن يكون ظرفا للاتخاذ ، وأن يكون حالا من «ظهريّا» ، والضمير في «اتّخذتموه» يعود على الله ؛ لأنّهم يجهلون صفاته ، فجعلوه أي : جعلوا أوامره ظهريّا ، أي : منبوذة وراء ظهورهم.
والظّهريّ : هو المنسوب إلى «الظّهر» والكسر من تغييرات النسب كقولهم في النسبة إلى «أمس» ، «إمسيّ» بكسر الهمزة ، وإلى الدّهر : دهريّ بضم الدّال.
وقيل : الضّمير يعود على العصيان ، أي : واتخذتم العصيان عونا على عداوتي ، فالظّهريّ على هذا بمعنى المعين المقوّي.
ثم قال : (إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) أي : عالم بأحوالكم ، فلا يخفى عليه شيء منها.
قوله تعالى : (وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) الآية.
المكانة : الحالة التي يتمكن بها صاحبها من عمله ، أي اعملوا حال كونكم موصوفين بغاية المكنة والقدرة ، وكل ما في وسعكم ، وطاقتكم من إيصال الشرّ إليّ فإني أيضا عامل بقدر ما آتاني الله من القدرة. (سَوْفَ تَعْلَمُونَ) أيّنا الجاني على نفسه ، والمخطىء في فعله.
قوله : (مَنْ يَأْتِيهِ) تقدّم نظيره في قصة نوح. قال ابن عطيّة (١) ـ بعد أن حكى عن الفرّاء أن تكون موصولة مفعولة ب «تعلمون» وأن تكون استفهامية مبتدأة معلقة ل «تعلمون» ـ : «والأول أحسن» ثم قال : «ويقضى بصلتها أن المعطوفة عليها موصولة لا محالة».
وهي قوله : (وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ).
قال أبو حيّان (٢) : «لا يتعيّن ذلك ، إذ من الجائز أن تكون الثّانية استفهاميّة أيضا معطوفة على الاستفهاميّة قبلها ، والتقدير : سوف تعلمون أيّنا يأتيه عذاب ، وأيّنا هو كاذب».
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٢٠٣.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٥٧.