ومنه : قادمة الرّجل كما يقال : قدّمه بمعنى تقدّمه ، ومنه : مقدّمة الجيش.
والمعنى : أنّ فرعون كان قدوة لقومه في الضّلال حال ما كانوا في الدنيا ، وكذلك مقدمهم إلى النّار ، وهم يتبعونه ويجوز أن يكون معنى قوله : (وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ) : أي : وما أمره بصالح حميد العاقبة ، ويكون قوله : (يَقْدُمُ قَوْمَهُ) تبيينا لذلك وإيضاحا ، أي : كيف يكون أمره رشيدا مع أنّ عاقبته هكذا؟.
قوله : «فأوردهم» يجوز أن تكون هذا المسألة من باب الإعمال ، وذلك أنّ «يقدم» يصلح أن يتسلّط على «النّار» بحرف الجر ، أي : يقدم قومه إلى النّار ، وكذا : «أوردهم» يصحّ تسلّطه عليها أيضا ، ويكون قد أعمل الثاني للحذف من الأوّل ، ولو أعمل الأوّل لتعدّى ب «إلى» ولأضمر في الثاني ، ولا محلّ ل «أورد» لاستئنافه ، وهو ماض لفظا مستقبل معنى ؛ لأنّه عطف على هو نص في الاستقبال.
والهمزة في «أورد» للتعدية ؛ لأنّه قبلها يتعدّى لواحد ، قال تعالى : (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ) [القصص : ٢٣].
وقيل : أوقع المستقبل بلفظ الماضي هنا لتحققه. وقيل : بل هو ماض على حقيقته ، وهذا قد وقع وانفصل وذلك أنّه أوردهم في الدّنيا النّار. قال تعالى : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا) [غافر : ٤٦]. وقيل : أوردهم موجبها وأسبابها ، وفيه بعد لأجل العطف بالفاء.
والورد : يكون مصدرا بمعنى الورود ، ويكون بمعنى الشيء المورد كالطّحن والرّعي.
ويطلق أيضا على الوارد ، وعلى هذا إن جعلت الورد مصدرا أو بمعنى الوارد فلا بدّ من حذف مضاف تقديره : وبئس مكان الورد المورود ، وهو النّار ، وإنّما احتيج إلى هذا التقدير ؛ لأنّ تصادق فاعل «نعم» و «بئس» ومخصوصهما شرط ، لا يقال : نعم الرّجل الفرس. وقيل : بل المورود صفة للورد ، والمخصوص بالذّمّ محذوف تقديره : بئس الورد المورود النّار ، جوّز ذلك أبو البقاء (١) ، وابن عطيّة (٢) ، وهو ظاهر كلام الزمخشري (٣).
وقيل : التقدير : بئس القوم المورود بهم هم ، فعلى هذا «الورد» المراد به الجمع الواردون ، قال تعالى : (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً) [مريم : ٨٦] والمورود صفة لهم ، والمخصوص بالذّمّ الضمير المحذوف وهو «هم» ، فيكون ذلك للواردين لا لموضع الورد كذا قاله أبو حيّان وفيه نظر من حيث إنّه : كيف يراد بالورد الجمع الواردون ، ثم يقول : والمورود صفة لهم؟.
وفي وصف مخصوص «نعم» و «بئس» خلاف بين النّحويين منعه ابن السّراج وأبو علي.
__________________
(١) ينظر : الإملاء ٢ / ٤٥.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٢٠٥.
(٣) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٢٦.