وقيل الشّهيق : النّفس الممتدّ ، مأخوذ من قولهم : «جبل شاهق أي : عال».
وقال اللّيث : الزّفير : أن يملأ الرّجل صدره حال كونه في الغمّ الشّديد من النّفس ويخرجه ، والشّهيق أن يخرج ذلك النّفس ، وهو قريب من قولهم : تنفّس الصعداء.
قال ابن الخطيب (١) : إنّ الإنسان إذا عظم غمه انحصر روح قلبه في داخل القلب ، فتقوى الحرارة وتعظم ، وعند ذلك يحتاج الإنسان إلى النفس القوي لأجل أن يستدخل هواء باردا حتى يقوى على ترويح تلك الحرارة ، فلهذا السّبب يعظم في ذلك الوقت استدخال الهواء في داخل الصّدر ، وحينئذ يرتفع صدره ، ولمّا كانت الحرارة الغريزية ، والروح الحيوانيّ محصورا في داخل القلب ؛ استولت البرودة على الأعضاء الخارجة ؛ فربّما عجزت آلات النّفس عن دفع ذلك الهواء فيبقى ذلك الهواء الكثير منحصرا في الصدر.
فعلى قول الأطباء : الزّفير : هو استدخال الهواء الكثير لترويح الحرارة الحاصلة في القلب بسبب انحصار الروح فيه ، والشّهيق : هو إخراج ذلك الهواء عند مجاهدة الطّبيعة في إخراجه ، وكلّ من هاتين الحالتين تدل على كرب شديد.
وقال أبو العالية والربيع بن أنس : الزّفير في الحلق ، والشّهيق في الصدر (٢). وقيل : الزّفير للحمار والشهيق للبغل. وقال ابن عباس : الزّفير الصوت الشديد ، والشّهيق الصوت الضعيف (٣). وقال الضحاك ومقاتل : الزّفير أول صوت الحمار ، والشهيق آخره ، إذا ردّه في صدره (٤). وقال الحسن : الزّفير لهيب جهنّم يرفعهم بقوته حتى إذا وصلوا إلى أعلى جهنم ، وطمعوا في أن يخرجوا منها ضربتهم الملائكة بمقامع من حديد وردوهم إلى الدرك الأسقل من جهنّم ، وهو قوله تعالى : (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها) [السجدة : ٢٠] فارتفاعهم في النّار هو الزّفير ، وانحطاطهم مرة أخرى هو الشهيق (٥).
وقال أبو مسلم : الزّفير ما يجتمع في الصّدر من النّفس عند البكاء الشّديد فيقطع النفس ، والشهيق هو الصّوت الذي يظهر عند اشتداد الكرب ، وربما تبعه الغشية ، وربما حصل عقيبه الموت. وروي عن ابن عبّاس في قوله : (لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ) أي : ندامة ونفسا عاليا وبكاء لا ينقطع وحزنا لا يندفع.
قوله : «خالدين» منصوب على الحال المقدرة.
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ١٧ / ٥٠.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ١١٤) عن أبي العالية وذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٤٠٢).
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ١١٤) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٦٣٥) وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم وابن مردويه وأبي الشيخ والبيهقي في «البعث والنشور».
(٤) أخرجه الطبري (٧ / ١١٤) عن قتادة بمعناه.
وذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٤٠٢) عن الضحاك ومقاتل.
(٥) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٨ / ٥٠) عن الحسن.