فصل
روى أبو عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ قال : خرجنا على جنازة ، فبينما نحن بالبقيع إذ خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبيده مخصرة ، فجاء ، فجلس ، ثم نكت بها الأرض ساعة ، ثم قال : «ما من نفس منفوسة إلّا قد كتب مكانها من الجنّة ، أو النّار ، وإلّا قد كتبت شقيّة ، أو سعيدة» قال : فقال رجل : أفلا نتكل على كتابنا يا رسول الله وندع العمل؟ قال : «لا ، ولكن اعملوا فكلّ ميسر لما خلق له ، أمّا أهل الشقاء فسييسرون لعمل أهل الشقاء ، وأمّا أهل السّعادة فسييسرون لعمل أهل السعادة» ثم تلا : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى)(١) [الليل : ٥ ـ ١٠].
قوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا) الجمهور على فتح الشين ؛ لأنّه من «شقى» فعل قاصر وقرأ الحسن (٢) بضمها فاستعمله متعدّيا ، فيقال : شقاه الله ، كما يقال : أشقاء الله وقوله : (لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ) في هذه الجملة احتمالان :
أحدهما : أنّها مستأنفة ، كأنّ سائلا سأل حين أخبر أنّهم في النّار : ماذا يكون لهم؟ فقيل: لهم كذا.
والثاني : أنها منصوبة المحلّ ، وفي صاحبها وجهان :
أحدهما : أنّه الضمير في الجارّ والمجرور وهي (فَفِي النَّارِ).
الثاني : أنها حال من «النّار». و «الزّفير» بمنزلة ابتداء صوت الحمار ، و «الشّهيق» آخره.
قال رؤبة : [الرجز]
٣٠١٨ ـ حشرج في الصّدر صهيلا أو شهق |
|
حتّى يقال ناهق وما نهق (٣) |
وقال ابن فارس : الزّفير ضد الشّهيق ؛ لأنّ الشّهيق ردّ النّفس والزّفير : إخراج النّفس من شدّة الحزن مأخوذ من الزّفر وهو الحمل على الظّهر ، لشدّته.
وقال الزمخشري نحوه ؛ وأنشد للشّمّاخ : [الطويل]
٣٠١٩ ـ بعيد مدى التّطريب أوّل صوته |
|
زفير ويتلوه شهيق محشرج (٤) |
__________________
(١) أخرجه البخاري ٣ / ٢٦٧ كتاب الجنائز : باب موعظة المحدث عند القبر (١٣٦٢) وفي ٨ / ٥٧٨ كتاب التفسير : باب «فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى» (٤٩٤٥) ، وأطرافه في (٤٩٤٦) (٤٩٤٧) (٤٩٤٨) (٤٩٤٩).
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٣٠ والبحر المحيط ٥ / ٤٦٤ ، والدر المصون ٤ / ١٣١.
(٣) ينظر : ديوانه (١٠٦) برواية :
حشرج في الصدر سحيلا
وروح المعاني ١٢ / ١٤١ واللسان (حشرج) والبحر المحيط ٥ / ٢٥٢ والدر المصون ٤ / ١٣٢.
(٤) البيت في ديوانه برواية :
بعيد مدى التطريب أول نهاقه |
|
سحيل وأخراه حيّ المحشرج |
ينظر : ديوانه (٨٨) وروح المعاني ١٢ / ١٢٦ والبحر المحيط ٥ / ٢٥٢ والكشاف ٢ / ٤٣٠ والدر المصون ٤ / ١٣٢.