(وَيَوْمَ حُنَيْنٍ) أي : واذكر يوم حنين من جملة تلك المواطن حال ما أعجبتكم كثرتكم ، و «حنين» واد بين مكة والطائف.
وقيل : إلى جنب ذي المجاز. قال الرواة : لمّا فتح رسول الله صلىاللهعليهوسلم مكّة ، وقد بقيت أيام من شهر رمضان ، خرج متوجها إلى حنين ، لقتال هوازن وثقيف ، في اثني عشر ألفا ، عشرة آلاف من المهاجرين ، وألفان من الطلقاء.
وقال عطاء : عن ابن عباس «كانوا ستة عشر ألفا» (١).
وقال الكلبيّ «كانوا عشرة آلاف». وكان هوازن وثقيف أربعة آلاف ، وعلى هوازن : مالك بن عوف النضري ، وعلى ثقيف : كنانة بن عبد ياليل الثقفي ، فلما التقى الجمعان ، قال رجل من الأنصار يقال له : سلمة بن سلامة بن وقش : لن نغلب اليوم عن قلّة ، وهو المراد من قوله (إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) ، فساء رسول الله صلىاللهعليهوسلم كلامه ، ووكلوا إلى كلمة الرجل (٢) ، وفي رواية : لم يرض الله قوله ، ووكلوا إلى أنفسهم ، فاقتتلوا قتالا شديدا ؛ فانهزم المشركون وتخلّوا عن الذراري ، ثم نادوا يا حماة السواد اذكروا الفضائح ، فتراجعوا ، وانكشف المسلمون.
قال قتادة : وذكر لنا أنّ الطّلقاء انجفلوا يومئذ بالنّاس (٣).
قوله (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ) فيه أوجه :
أحدها : أنّه عطف على محلّ قوله : (فِي مَواطِنَ) عطف ظرف الزمان من غير واسطة «في» على ظرف المكان المجرور بها ، ولا غرو في نسق ظرف زمان على مكان ، أو العكس ، تقول : سرت أمامك ويوم الجمعة ، إلّا أنّ الأحسن أن يترك العاطف في مثله.
الثاني : زعم ابن عطية : أنّه يجوز أن يعطف على لفظ «مواطن» بتقدير : «وفي يوم» ، فحذف حرف الخفض ، وهذا لا حاجة إليه.
الثالث : قال الزمخشريّ (٤) : «فإن قلت : كيف عطف الزمان على المكان ، وهو (يَوْمَ حُنَيْنٍ) على «مواطن»؟.
قلت : معناه : ومواطن يوم حنين ، أو في أيام مواطن كثيرة ويوم حنين».
الرابع : أن يراد ب «المواطن» : الأوقات ، فحينئذ إنّما عطف زمان على زمان.
قال الزمخشريّ ـ بعد ما تقدّم عنه ـ : «ويجوز أن يراد ب «المواطن» : الوقت ، ك :
__________________
(١) ذكرى الرازي في «التفسير الكبير» (١٦ / ١٨).
(٢) انظر التفسير الكبير (١٦ / ١٨).
(٣) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٨٠) عن قتادة.
(٤) ينظر : الكشاف ٢ / ٢٥٩.