قال الزمخشري (١) : فإن قلت : في تحضيضهم على النّهي عن الفساد معنى نفيه عنهم ، فكأنّه قيل : ما كان من القرون أولو بقية إلّا قليلا كان استثناء متصلا ومعنى صحيحا ، وكان انتصابه على أصل الاستثناء ، وإن كان الأفصح أن يرفع على البدل.
ويؤيد أنّ التحضيض هنا في معنى النّفي قراءة زيد بن عليّ «إلا قليل» بالرفع ، لاحظ معنى النّفي فأبدل على الأفصح ، كقوله : (ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) [النساء : ٦٦].
وقال الفراء : المعنى : فلم يكن ؛ لأنّ في الاستفهام ضربا من الجحد سمّى التّحضيض استفهاما.
ونقل عن الأخفش أنه كان يرى تعيّن اتصال هذا الاستثناء كأنّه لحظ النّفي. و «من» في: (مِمَّنْ أَنْجَيْنا) للتبعيض. ومنع الزمخشريّ أن تكون للتبعيض بل للبيان فقال : حقّها أن تكون للبيان لا للتبعيض ؛ لأنّ النّجاة إنّما هي للنّاهين وحدهم ، بدليل قوله : (أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ) [الأعراف : ١٦٥].
فعلى الأول يتعلق بمحذوف على أنها صفة ل «: قليلا».
وعلى الثاني : يتعلق بمحذوف على سبيل البيان ، أي : أعني.
قوله : (وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ) هذا السبب الثاني في نزول عذاب الاستئصال.
قرأ العامّة : «اتّبع» بهمزة وصل وتاء مشددة ، وياء ، مفتوحتين ، فعلا ماضيا مبنيا للفاعل وفيه وجهان :
أحدهما : أنّه معطوف على مضمر.
والثاني : أنّ الواو للحال لا للعطف ، ويتّضح ذلك بقول الزمخشري فإن قلت : علام عطف قوله : (وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا)؟ قلت : إن كان معناه : واتّبعوا الشّهوات كان معطوفا على مضمر ؛ لأنّ المعنى : إلّا قليلا ممّن أنجينا منهم نهوا عن الفساد ، واتّبع الذين ظلموا شهواتهم ، فهو عطف على «نهوا» وإن كان معناه : واتّبعوا جزاء الإتراف ، فالواو للحال ، كأنّه قيل : أنجينا القليل ، وقد اتبع الذين ظلموا جزاءهم.
فجوز في قوله : (ما أُتْرِفُوا) وجهين :
أحدهما : أنّه مفعول من غير حذف مضاف ، و «ما» واقعة على الشّهوات وما بطروا بسببه من النّعم.
والثاني : أنّه على حذف مضاف ، أي : جزاء ما أترفوا ، ورتّب على هذين الوجهين القول في (وَاتَّبَعَ).
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٣٧.