والفائدة الثانية : قوله (وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ).
قوله تعالى : (وَكُلًّا نَقُصُ) في نصبه أوجه :
أحدها : أنه مفعول به ، والمضاف إليه محذوف ، عوض منه التنوين ، تقديره : وكلّ نبأ نقصّ عليك.
و (مِنْ أَنْباءِ) بيان له أو صفة إذا قدّر المضاف إليه نكرة.
وقوله : (ما نُثَبِّتُ بِهِ) يجوز أن يكون بدلا من : «كلّا» ، وأن يكون خبر مبتدأ مضمر : أي : هو ما نثبّت ، أو منصوب بإضمار أعني.
الثاني : أنه منصوب على المصدر ، أي : كلّ اقتصاص نقصّ ، و (مِنْ أَنْباءِ) صفة : أو بيان ، و (ما نُثَبِّتُ) هو مفعول «نقصّ».
الثالث : كما تقدم ، إلّا أنه يجعل «ما» صلة ، والتقدير : وكلّا نقصّ من أبناء الرّسل نثبّت به فؤادك ، كذا أعربه أبو حيان وقال : كهي في قوله : (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) [الأعراف : ٣].
الرابع : أن يكون «كلّا» منصوبا على الحال من (ما نُثَبِّتُ) وهي في معنى : «جميعا» وقيل : بل هي حال من الضمير في «به». وقيل : بل هي حال من «أنباء» ، وهذان الوجهان إنما يجوزان عند الأخفش ، فإنّه يجيز تقديم حال المجرور بالحرف عليه ؛ كقوله تعالى : (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) [الزمر : ٦٧] في قراءة من نصب «مطويّات» ، وقول الآخر: [الكامل]
٣٠٤٢ ـ رهط ابن كوز محقبي أدراعهم |
|
فيهم ورهط ربيعة بن حذار (١) |
والمعنى : وكل الذي تحتاج إليه من أنباء الرسل ، أي : من أخبارهم ، وأخبار الأمم نقصها عليك ؛ لنثبت به فؤادك ؛ لنزيدك يقينا ، ونقوي قلبك ، وذلك أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم إذا سمعها كان في ذلك تقوية لقلبه على الصّبر لأذى قومه.
(وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُ) قال الحسن وقتادة : في هذه الدنيا (٢). وقال الأكثرون : في هذه السورة ، خص هذه السورة تشريفا ، وإن كان قد جاءه الحق في جميع السور.
وقيل : في هذه الآية.
والمراد به «الحق» البراهين الدّالة على التّوحيد والعدل والنبوة ، «موعظة» أي : وجاءتك موعظة (وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) والمراد ب «الذكرى» الأعمال الباقية الصالحة في الدّار الآخرة.
__________________
(١) البيت للنابغة الذبياني. ينظر : ديوانه ص ٥٥ وجمهرة اللغة ص ٨٢٥ والمقاصد النحوية ٣ / ١٧٠ وشرح الأشموني ١ / ٢٥٢ والخزانة ٦ / ٣٣٣ والدر المصون ٤ / ١٤٩.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ١٤٤) عن قتادة والحسن وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٦٤٦) عن قتادة وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم وأبي الشيخ.
وذكره أيضا (٣ / ٦٤٦) عن الحسن وعزاه إلى أبي الشيخ.