فيرحمهالله بألطافه وتسهيله ، وهذان الجوابان في غاية الضعف.
أمّا الأول فلأنّ قوله تعالى : (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) بأن يصير من أهل الجنة ، يفيد أنّ ذلك الاختلاف إنما زال بسبب هذه الرحمة ؛ فوجب أن تكون هذه الرّحمة جارية مجرى السّبب المتقدم على زوال هذا الاختلاف ، والثّواب شيء متأخر عن زوال هذا الاختلاف ، فالاختلاف جار مجرى السبب له فحمل هذه الرّحمة على الثّواب لا يجوز.
وأمّا الثاني ـ وهو حمل هذه الرّحمة على الألطاف التي فعلها في حقّ المؤمن ـ فهي مفعولة أيضا في حقّ الكافر ، وهذه الرحمة أمر اختص به المؤمن ؛ فوجب أن يكون شيئا زائدا على تلك الألطاف ، وأيضا فحصول الألطاف هل يوجب رجحان وجود الإيمان على عدمه أم لا يوجبه؟ فإن لم يوجبه كان وجود تلك الألطاف وعدمها ، بالنسبة إلى حصول هذا المقصود سيان ، فلم يك لطفا منه ، وإذا وجب الرّجحان فقد ثبت في العقليات أنه متى حصل الرجحان ، فقد وجب حينئذ أن يكون حصول الإيمان من الله ، وما يدل على أنّ حصول الإيمان لا يكون إلّا بخلق الله تعالى ؛ لأنّه ما لم يتميز الإيمان عن الكفر ، والعلم عن الجهل امتنع القصد إلى تكوين الإيمان والعلم ، وهذا الامتياز إنما يحصل إذا علم كون أحد هذين الاعتقادين مطابقا للمعتقد ، وكون الآخر ليس كذلك ، وإنّما يصح هذا العلم إذا عرف ذلك المعتقد كيف يكون ، وهذا يوجب أنّه لا يصح من العبد القصد إلى تكوين العلم بالشيء إلا بعد أن كان عالما ، وذلك يقتضي تكوين الكائن وتحصيل الحاصل وهو محال ، فثبت أنّ زوال الاختلاف في الدّين ، وحصول العلم والهداية لا يحصل إلّا بخلق الله تعالى.
ثم قال تعالى : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) وتم حكم ربك (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ). فقوله : «أجمعين» تأكيد ، والأكثر أن يسبق ب «كل» وقد جاء هنا دونها.
والجنّة والجنّ : قيل : واحد ، والتاء فيه للمبالغة.
وقيل : الجنّة جمع جنّ ، وهو غريب ، فيكون مثل «كمء» للجمع ، و «كمأة» للواحد.
قوله تعالى : (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ) الآية.
لمّا ذكر القصص الكثيرة في هذه السورة ، ذكر في هذه الآية نوعين من الفائدة.
أحدهما : تثبيت الفؤاد على أداء الرّسالة ، وعلى الصّبر واحتمال الأذى ؛ وذلك لأنّ الإنسان إذا ابتلي بمحنة وبلية ، فإذا رأى له فيه مشاركا خف ذلك على قلبه ؛ كما يقال : المصيبة إذا عمت خفت ، فإذا سمع الرسول صلىاللهعليهوسلم هذه القصص ، وعلم أنّ حال جميع الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسّلام ـ مع أتباعهم هكذا ، سهل عليه تحمل الأذى من قومه ، وأمكنه الصبر عليه.