قال كعب الأحبار : خاتمة التّوراة خاتمة سورة هود (١). روى عكرمة عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ قال أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ : يا رسول الله قد شبت ، فقال صلىاللهعليهوسلم «شيّبتني هود والواقعة ، والمرسلات ، وعمّ يتساءلون ، وإذا الشّمس كوّرت» (٢). ويروى : «شيّبتني هود وأخواتها» (٣) ويروى : «شيّبتني هود وأخواتها الحاقّة ، والواقعة ، وعمّ يتساءلون ، وهل أتاك حديث الغاشية» (٤).
قال الحكيم : الفزع يورث الشّيب ، وذلك أنّ الفزع يذهل النفس فينشف رطوبة الجسد ، وتحت كلّ شعره منبع ، ومنه يعرق ، فإذا انتشف الفزع رطوبته يبست المنابع ؛ فيبس الشّعر وابيض ، كما ترى الزّرع بسقائه ، فإذا ذهب سقاءه يبس فابيض ، وإنّما يبيضّ شعر الشيخ لذهاب رطوبته ويبس جلده ، فالنفس تذهل بوعيد الله بالأهوال ؛ فتذبل وينشّف ماءها ذلك الوعيد والهول الذي جاء به ، ومنه تشيب ؛ قال تعالى : (يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً) [المزمل : ١٧]. وقال الأصمّ: ما حلّ بهم من عاجل أمر الله ، فأهل اليقين إذا تلوها تراءى على قلوبهم من ملكه وسلطانه البطش بأعدائه ، فلو ماتوا من الفزع لحق لهم ، ولكن الله ـ تبارك وتعالى ـ يلطف بهم في الأحيان حتّى يقرؤوا كلامه ، كذلك آخر آية في سورة هود ، فإنّ تلاوة هذه السّورة ما يكشف لقلوب العارفين سلطانه وبطشه ما تذهل منه النفوس ، وتشيب منه الرءوس.
قال القرطبيّ : وقيل : إنّ الذي شيّب النبي صلىاللهعليهوسلم من سورة «هود» قوله تعالى : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) [هود : ١١٢]. وقال عمرو بن أبي عمرو العبدي : قال يزيد بن أبان رأيت النبيصلىاللهعليهوسلم في المنام فقرأت عليه سورة هود ، فلمّا ختمتها قال لي. «يا يزيد قرأت فأين البكاء» (٥). وأسند أبو محمد الدّارمي في مسنده عن كعب ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم : «اقرؤوا سورة هود يوم الجمعة» (٦) والله أعلم.
تمّ الجزء العاشر ، ويليه الجزء الحادي عشر
وأوّله : تفسير سورة يوسف
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ١٤٥) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» وزاد نسبته إلى عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن الضريس في فضائل القرآن وأبي الشيخ.
(٢) ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٧ / ٤٠) وقال : رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٥٧٦) وعزاه إلى ابن المنذر والطبراني وأبي الشيخ وابن مردويه وابن عساكر.
(٣) أخرجه الترمذي في الشمائل رقم (٤١) وأبو يعلى (٢ / ١٨٤) رقم (٨٨٠) والطبراني في «الكبير» (٢٢ / ١٢٣) رقم (٣١٨) من حديث أبي جحيفة.
(٤) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٥٧٦) وعزاه إلى البزار وابن مردويه.
(٥) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٩ / ٣).
(٦) أخرجه الدارمي (٢ / ٤٥٤ وأبو داود في «المراسيل» رقم (٥٩) والبيهقي في «شعب الإيمان» (٢٤٣٨) عن كعب الأحبار مرسلا وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٥٧٦) وزاد نسبته إلى ابن مردويه وأبي الشيخ.