وفي جميع الأمكنة ؛ لأنّ إبراهيم عليه الصلاة والسّلام ـ قال في دعائه : (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ) [البقرة : ١٢٦] وكلمة «من» للتبعيض ، فقوله ههنا (إِنْ شاءَ اللهُ) المراد منه ذلك التبعيض.
ثم قال : (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ) بأحوالكم ، «حكيم» أي : لا يعطي ولا يمنع إلّا عن حكمة وصواب.
قوله تعالى : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) الآية.
لمّا بيّن تعالى حكم المشركين في إظهار البراءة عنهم في أنفسهم ، وفي وجوب مقاتلتهم ، وفي تبعيدهم عن المسجد الحرام ، ذكر بعده حكم أهل الكتاب ، وهو أن يقاتلوا حتى يعطوا الجزية.
قال مجاهد «نزلت حين أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقتال الرّوم ، فغزا بعدها غزوة تبوك» (١) وقال الكلبيّ «نزلت في قريظة والنّضير من اليهود ، فصالحهم ، فكانت أول جزية أصابها أهل الإسلام ، وأول ذلّ أصاب أهل الكتاب بأيدي المسلمين» (٢).
فإن قيل : أهل الكتاب يؤمنون بالله واليوم الآخر ، فكيف أمر بقتالهم؟.
فالجواب : لا يؤمنون كإيمان المؤمنين ؛ فإنّهم إذا قالوا : عزير ابن الله ، والمسيح ابن الله ، لا يكون ذلك إيمانا بالله.
قوله : (وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ) أي : لا يحرّمون ما حرّم الله في القرآن ، وبينه الرسول ، وقال أبو زيد : لا يعملون بما في التوراة والإنجيل ، بل حرفوهما وأتوا بأحكام كثيرة من قبل أنفسهم.
قوله (وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِ) أي : لا يدينون الدّين الحق ، أضاف الاسم إلى الصّفة وقال قتادة : «الحقّ» هو الله ـ عزوجل ـ ؛ أي : لا يدينون دين الله ، ودينه الإسلام (٣). قال أبو عبيدة : معناه : لا يطيعون الله طاعة أهل الحقّ.
قوله : (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) بيان للموصول قبله ، والمراد : اليهود والنصارى (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ) وهي الخراج المضروب على رقابهم ، و «الجزية» : «فعلة» ، لبيان الهيئة ، ك «الرّكبة». قال الواحديّ : «الجزية : ما يعطى المعاهد على عهده ، وهي «فعلة» من جزى يجزي إذا قضى ما عليه».
قوله : (عَنْ يَدٍ) حال ، أي : يعطوها مقهورين أذلّاء ، وكذلك : (وَهُمْ صاغِرُونَ).
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٣٤٩) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٤١٠) وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ والبيهقي.
وذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٨٢).
(٢) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٨٢).
(٣) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٨٢).