لم يكونوا عربا ، واختلفوا في أهل الكتاب العرب وفي غير أهل الكتاب من كفار العجم ؛
__________________
الآية جعل الله نهاية قتالهم إعطاءهم الجزية والتزامها.
وأما السّنة : فما رواه الإمام أحمد عن المغيرة بن شعبة أنه قال لعامل كسرى من حديث طويل «أمرنا نبيّنا رسول ربّنا أن نقاتلكم حتّى تعبدوا الله وحده أو تؤدّوا الجزية» وهذا الحديث يبين أن القتال غايته الإسلام ، أو إعطاء الجزية وما رواه مسلم عن بريدة رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا أمّر أميرا على سريّة أو جيش أوصاه في خاصّته بتقوى الله ، وبمن معه من المسلمين خيرا ، وقال له : وإذا لقيت عدوّك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال ، فأيّتهنّ ما أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم ، ثمّ قال : فإن هم أبوا فسلهم الجزية فإن أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم ، وإن أبوا فاستعن بالله عليهم وقاتلهم» الحديث ـ وهذا الحديث أيضا يفيد أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يأمر أمراء الجيوش بدعوة الكفار إلى إعطاء الجزية وجعل قبولهم لها سببا في ترك القتال.
وأما الإجماع : فقد أجمع المسلمون على جواز عقد الذمة مع الكفار في الجملة.
وشرع عقد الذمة في السنة الثامنة أو التاسعة من الهجرة وشرعت الذمة في الإسلام لما اشتملت عليه من فوائد كثيرة لعقد الصلات السلمية بين المسلمين وغيرهم ، وقد وضع الإسلام لها قواعد وافية إذا روعيت نشأ عنها صلح دائم فيه الطمأنينة والسلامة والأمن ، فإذا عقد الحربي ذمة مع المسلمين أصبح آمنا على نفسه وولده وماله بعد أن كان دمه مهدرا وولده مسبيّا وماله مغنوما وحماه مستباحا.
ومن فوائدها أنها تعطي الحربي فرصة للاتصال بالمسلمين يعرضون أمامه كتاب الله ، وسنة رسول اللهصلىاللهعليهوسلم وتعاليم دينهم ، ومحاسنه وآدابه ، ورفقه ، وقلة تكاليفه وسهولتها فربما مال قلبه لدين الحق فآمن به وكان من الفائزين ، وقد دخل كثير من الناس في الإسلام عن هذا الطريق فهو في الواقع سبيل سلمي من سبل الدعوة إلى الدين.
واتفق الفقهاء على أن الذمة تعقد لأهل الكتاب ، وهم اليهود والنصارى ، ومن دان بدينهم لقوله تعالى : «قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ».
وتعقد للمجوس لما رواه البخاري ، وأبو داود ، والترمذي ، وأحمد عن عمر أنه لم يأخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أخذها من مجوس هجر ، وفي رواية أن عمر رضي الله عنه ذكر المجوس فقال ما أدري كيف أصنع في أمرهم ، فقال له عبد الرحمن بن عوف أشهد لسمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب» رواه الشافعيّ.
واختلفوا في عبدة الأوثان فعند الشافعي ، وأحمد في ظاهر المذهب ، وابن حزم أن غير اليهود ، والنصارى ، والمجوس لا يقبل منهم إلّا الإسلام أو السّيف.
وذهب الحنفية إلى أن عقد الذمة جائز مع جميع الكفار ما عدا مشركي العرب والمرتدين.
وذهب الإمام مالك ، والأوزاعي وفقهاء الشام إلى أنه جائز مع جميع الكفار ما عدا المرتدين.
واستدل الإمام الشافعي بعموم قوله تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) فإنه عام في قتل كل مشرك خص منه أهل الكتاب بقوله تعالى : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) الآية ، والمجوس بقوله عليه الصلاة والسّلام «سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب» فبقي من عداهم داخلا في العموم.
وأما ما ورد في حديث بريدة من قوله صلىاللهعليهوسلم : «وإذا لقيت عدوّك من المشركين إلى قوله فسلهم الجزية» فمنسوخ أو محمول على أهل الكتاب.
واستدل الحنفية على جواز عقدها مع غير مشركي العرب والمرتدين بقياس أخذ الجزية على استرقاقهم بجامع أن كلّا فيه استسلام المأخوذ منهم ، ودخولهم في حوزة الإسلام وكف المسلمين عن قتلهم.