أحدها : أنّه حذف التنوين لالتقاء الساكنين على حدّ قراءة (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ). قال الفرّاء : نون التنوين في «عزير» ساكنة ، والباء في قوله (ابْنُ اللهِ) ساكنة ، فالتقى ساكنان ، فحذف نون التنوين للتخفيف ؛ وأنشد : [المتقارب]
٢٧٧٦ ـ وألفيته غير مستعتب |
|
ولا ذاكر الله إلّا قليلا (١) |
وهو اسم منصرف مرفوع بالابتداء ، و «ابن» خبره.
الثاني : أنّ تنوينه حذف ، لوقوع الابن صفة له ، فإنّه مرفوع بالابتداء ، و «ابن» صفته ، والخبر محذوف ، أي : عزير ابن الله نبّينا ، أو إمامنا ، أو رسولنا ، وقد تقدّم أنّه متى وقع «الابن» صفة بين علمين ، غير مفصول بينه وبين موصوفه ، حذفت ألفه خطّا ، وتنوينه لفظا ، ولا تثبت إلّا ضرورة ، وتقدم الاستشهاد عليه آخر المائدة. ويجوز أن يكون «عزير» خبر مبتدأ مضمر ، أي : نبيّنا عزير ، و «ابن» صفة له ، أو بدل ، أو عطف بيان.
الثالث : أنه إنّما حذف ، لكونه ممنوعا من الصّرف ، للتعريف والعجمة. ولم يرسم في المصحف إلّا بإثبات الألف ، وهي تنصر من يجعله خبرا.
وقال الزمخشري (٢) : (عُزَيْرٌ ابْنُ) مبتدأ وخبره ، كقوله : (الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) و «عزير» اسم أعجمي ، ك «عزرائيل ، وعيزار» ولعجمته وتعريفه امتنع صرفه ، ومن صرفه جعله عربيا. وقول من قال بسقوط التنوين ؛ لالتقاء الساكنين ، كقراءة (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ) [الاخلاص : ١ ، ٢] ولأنّ «الابن» وقع وصفا ، والخبر محذوف ، وهو «معبودنا» فتمحّل عن مندوحة».
فصل
لمّا حكم تعالى في الآية المتقدّمة على اليهود والنّصارى بأنهم لا يؤمنون بالله ، شرح ذلك في هذه الآية ، بأن نقل عنهم أنهم أثبتوا لله ابنا ومن جوّز ذلك في حق الإله ، فقد أنكر الإله في الحقيقة ، وأيضا بيّن تعالى أنهم بمنزلة المشركين في الشرك وإن كانت طرق القول بالشرك مختلفة ، إذ لا فرق بين من يعبد الصّنم وبين من يعبد المسيح وغيره ، لأنه لا معنى للشرك إلّا أن يتّخذ الإنسان مع الله معبودا ، وهذا معنى الشّرك ، بل لو تأمّلنا لعلمنا أن كفر عابد الوثن أخفّ من كفر النصارى ؛ لأنّ عابد الوثن لا يقول : إنّ هذا الوثن خالق للعالم ، بل يجريه مجرى الشيء الذي يتوسّل به إلى طاعة الله ، والنّصارى يثبتون الحلول والاتحاد وذلك كفر قبيح ؛ فثبت أنّه لا فرق بين هؤلاء الحلولية وبين سائر المشركين.
فإن قيل : اليهود قسمان : منهم مشبهة ، ومنهم موحدة ، كما أنّ المسلمين كذلك ، فهب أنّ المشبهة منهم منكرون لوجود الإله ، فما قولكم في موحدة اليهود؟.
__________________
(١) تقدم.
(٢) ينظر : تفسير الكشاف ٢ / ٢٦٣.