بكفر الذين مضوا من الأمم الكافرة» كما قال في مشركي العرب : (كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ)(١) [البقرة : ١٢٨].
وقال القتيبي : «يريد من كان في عصر النبي صلىاللهعليهوسلم من اليهود والنصارى ، يقولون ما قال أسلافهم».
قوله (قاتَلَهُمُ اللهُ) قال ابن عبّاس : لعنهم الله (٢). وقال ابن جريج : قتلهم الله (٣).
وقيل : هذا بمعنى التّعجب من شناعة قولهم ، كما يقال : ركبوا شنيعا ، قاتلهم الله ما أعجب فعلهم ، وهذا التعجب إنّما هو راجع إلى الخلق ، والله لا يتعجّب من شيء ، ولكن هذا الخطاب على عادة العرب في مخاطبتهم ، والله عجب منهم في تركهم الحق وإصرارهم على الباطل.
(أَنَّى يُؤْفَكُونَ) أي : كيف يصرفون عن الحق بعد قيام الأدلة عليه.
قوله (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ).
الأحبار : العلماء. قال أبو عبيد : «الأحبار : الفقهاء قد اختلفوا في واحده ، فقال بعضهم : «حبر» ، وقال بعضهم «حبر». وقال الأصمعيّ : لا أدري أهو الحبر أو الحبر». وكان أبو الهيثم يقول : «واحد «الأحبار» «حبر» بالفتح لا غير ، وينكر الكسر» وكان الليث ، وابن السّكيت يقولان «حبر» و «حبر» للعالم ذمّيّا كان أو مسلما ، بعد أن يكون من أهل الكتاب». وقال أهل المعاني : «الحبر» : العالم الذي صناعته تحبير المعاني بحسن البيان عنها ، وإتقانها ، ومنه : ثوب محبر ، أي : جمع الزينة ، والرّاهب : الذي تمكنت الخشية والرهبة في قلبه ، وظهرت آثار الرهبة على وجهه ولباسه. وفي عرف الاستعمال ، صار الأحبار مختصا بعلماء اليهود من ولد هارون.
والرّهبان : علماء النّصارى أصحاب الصّوامع. ومعنى اتخاذهم أربابا : أنهم أطاعوهم في أوامرهم ونواهيهم ، واستحلّوا ما أحلوا ، وحرموا ما حرموا.
قال أكثر المفسرين : «ليس المراد من الأرباب أنّهم اعتقدوا إلهيتهم ، بل المراد : أنهم أطاعوهم في أوامرهم ونواهيهم».
قال عدي بن حاتم : أتيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم وفي عنقي صليب من ذهب وهو يقرأ سورة براءة ، فقال : «يا عدي اطرح هذا الوثن من عنقك» فطرحته ، ثم انتهى إلى قوله : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) فقلت : إنّا لسنا نعبدهم ، فقال : «أليس
__________________
(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٨٥).
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٣٥٣) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٤١٥) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.
(٣) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٨٥).