وقال السديّ : ذلك عند خروج المهدي ، لا يبقى أحد إلّا دخل في الإسلام ، أو أدّى الخراج (١).
وثالثها : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) في جزيرة العرب ، وقد حصل ذلك ، فإنّه تعالى ما أبقى فيها أحدا من الكفّار.
ورابعها : أنّه لا دين يخالف دين الإسلام ، إلّا وقد قهرهم المسلمون ، وظهروا عليهم في بعض المواضع ، وإن لم يكن ذلك في جميع مواضعهم ، فقهروا اليهود ، وأخرجوهم من بلاد العرب ، وغلبوا النصارى على بلاد الشام وما والاها إلى ناحية الرّوم والغرب ، وغلبوا المجوس على ملكهم ، وغلبوا عباد الأصنام على كثير من بلادهم ممّا يلي الترك والهند.
وخامسها : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) بالحجّة والبيان ، وهذا ضعيف ؛ لأنّ هذا وعد بأنه تعالى سيفعله ، والقوة بالحجّة والبيان كانت حاصلة من أوّل الأمر. ويمكن أن يجاب عنه ، بأنّه في مبدأ الأمر كثرت الشبهات ، بسبب ضعف المؤمنين ، واستيلاء الكفّار ، ومنعهم للنّاس من التأمل في تلك الدلائل ، وأمّا بعد قوة الإسلام ، وعجز الكفّار ، ضعفت الشبهات فقوي دلائل الإسلام.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٤) يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ)(٣٥)
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ) الآية.
لمّا وصف اليهود والنصارى بالتكبّر وادعاء الربوبية ، وصفهم في هذه الآية بالطّمع والحرص على أخذ أموال الناس بالباطل. فقوله : «كثيرا» يدلّ على أنّ هذه طريقة بعضهم ، لا طريقة الكل ، فإنّ العالم لا يخلو عن الحق ، وإطباق الكل على الباطل ،
__________________
ـ وابن حبان (١٦٣١ ـ موارد) والطبراني في «الكبير» (٢٠ / ٢٥٤ ـ ٢٥٥) رقم (٦٠١) عن المقداد بن الأسود.
وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وذكره الهيثمي في «المجمع» (٦ / ١٧) وقال : .... ورجال الطبراني رجال الصحيح. وله شاهد من حديث تميم الداري :
أخرجه أحمد (٤ / ١٠٣) والطبراني (٢ / ٥٨) رقم (١٢٨٠) والبيهقي (٩ / ١٨١).
وذكره الهيثمي في «المجمع» (٦ / ١٧) وقال : رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح.
(١) ذكره الرازي في «التفسير الكبير» (١٦ / ٣٣).