اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاث متواليات ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان ...» الحديث. فأمرهم بالمحافظة لئلّا يتبدل في مستأنف الأيام.
واختلفوا في أوّل من نسأ النّسيء. فقال ابن عباس والضحّاك وقتادة ومجاهد (١) «أوّل من نسأ النسيء بنو مالك بن كنانة».
وقال الكلبيّ «أول من فعل ذلك رجل من بني كنانة يقال له نعيم بن ثعلبة ، وكان يقوم على الناس بالموسم ، فإذا همّ الناس بالصدود ، قام فخطب ، فقال : لا مردّ لما قضيت ، أنا الذي لا أعاب ولا أجاب فيقول له المشركون : لبيك ، ثم يسألونه أن ينسأهم شهرا يغيرون فيه ، فيقول : إنّ صفر في هذا العام حرام فإذا قال ذلك حلوا الأوتار ، ونزعوا الأسنة والأزجة ، وإن قال حلال ، عقدوا الأوتار ، وشدوا الأزجة ، وأغاروا وكان من بعد نعيم رجل يقال له : جنادة بن عوف ، وهو الذي أدرك النبي صلىاللهعليهوسلم (٢).
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم هو رجل من كنانة يقال له : القلمّس (٣). قال شاعرهم: [الوافر]
٢٧٨٢ ـ ومنّا ناسىء الشّهر القلمّس (٤)
وكانوا لا يفعلون ذلك إلّا في الحجّ إذا اجتمعت العرب في الموسم. وقال جويبر عن الضحاك عن ابن عباس : «إنّ أول من سنّ النّسيء : عمرو بن لحيّ بن قمعة بن خندف» (٥).
ثم قال : (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) تقدّم الكلام عليه. (يُحِلُّونَهُ عاماً) يعني : النّسيء (وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا) أي : يوافقوا. (عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ) أي : إنهم لم يحلوا شهرا من الحرام إلّا حرّموا مكانه شهرا من الحلال ، ولم يحرّموا شهرا من الحلال إلّا أحلّوا مكانه شهرا من الحرام ، لئلّا يكون الحرام أكثر من أربعة أشهر ، فتكون الموافقة في العدد.
(زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ) قال ابن عبّاس : زين لهم الشيطان (٦) : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ).
__________________
(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٩١) عن ابن عباس والضحاك وقتادة ومجاهد.
وأخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٣٧٠) عن أبي وائل وقتادة.
(٢) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٩١) عن الكلبي.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٣٧١) وذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٩١) عن ابن زيد.
(٤) ينظر : القرطبي ٨ / ٨٩ ، والبغوي ٢ / ٢٩١ ، ولباب التأويل ٢ / ٣٠٤.
(٥) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٩١ من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس.
(٦) انظر المصدر السابق وذكره أيضا الرازي في «التفسير الكبير» (١٦ / ٤٧).