موضع نصب ، أي : أيّ شيء لكم في التّقاقل ، أو في موضع جر على رأي الخليل. وقيل : هو في موضع حال».
قال أبو حيان : وهذا ليس بجيد ؛ لأنه يلزم منه حذف «أن» لأنه لا ينسبك مصدر إلّا من حرف مصدري والفعل وحذف «أن» في هذا قليل جدا ، أو ضرورة. وإذا كان التقدير في التثاقل ، فلا يمكن عمله في «إذا» لأنّ معمول المصدر الموصول لا يتقدّم عليه ، فيكون النّاصب ل «إذا» والمتعلّق به في التثاقل ما تعلّق به «لكم» الواقع خبرا ل «ما» وقرىء (١) «أثّاقلتم» بالاستفهام الذي معناه الإنكار ، وحينئذ لا يجوز أن يعمل في «إذا» ؛ لأنّ ما بعد حرف الاستفهام لا يعمل فيما قبله ، فيكون العامل في هذا الظّرف إمّا الاستقرار المقدّر في «لكم» أو مضمر مدلول عليه باللّفظ ، والتقدير : ما تصنعون إذا قيل لكم ، وإليه نحا الزمخشري.
والظّاهر أن يقدّر : ما لكم تتثاقلون إذا قيل لكم ، ليكون مدلولا عليه من حيث اللفظ والمعنى.
وقوله : (إِلَى الْأَرْضِ) ضمّن اثّاقلتم معنى الميل والإخلاء ، فعدي ب «إلى» والمعنى : تباطأتم إلى الأرض ، أي : لزمتم أرضكم ومساكنكم ، وملتم إلى الدنيا وشهواتها ، وكرهتم مشاق الجهاد ومتاعبه ، ونظيره قوله (أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ) [الأعراف : ١٧٦] قال المفسّرون : معناه : اثاقلتم إلى نعيم الأرض ، وإلى الإقامة وبالأرض.
[قوله (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا) أي : بخفض الدنيا ودعتها. وقوله : (إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ) جناس لفظي](٢) ، وكذا قوله : (اصْبِرُوا وَصابِرُوا) [آل عمران : ٢٠٠] ، وقوله: (أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ) [هود : ٤٨] وقوله : (يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ) [يوسف : ٤] ، وقوله : (وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ) [النمل : ٤٤] ، وقوله : (أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) [فصلت : ٥١] ، وقوله : (عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ) [الدخان : ٣٢] وقوله (مالِكَ الْمُلْكِ) [آل عمران : ٢٦].
قوله (مِنَ الْآخِرَةِ) تظاهرت أقوال المعربين ، والمفسرين على أنّ «من» بمعنى «بدل» كقوله (لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً) ، أي : بدلكم ؛ ومثلة قول الآخر : [الرجز]
٢٧٨٣ ـ جارية لم تأكل المرقّقا |
|
ولم تذق من البقول الفستقا (٣) |
وقول الآخر : [الطويل]
٢٧٨٤ ـ فليت لنا من ماء زمزم شربة |
|
مبرّدة باتت على طهيان (٤) |
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٢٧١ ، البحر المحيط ٤٤١٥ ، الدر المصون ٣ / ٤٦٤.
(٢) سقط في أ.
(٣) تقدم.
(٤) البيت ليعلى بن الأحول في شرح ديوان الحماسة ١ / ٣٠٠ التهذيب [طها] البحر المحيط ٥ / ٤٤ القرطبي ٨ / ٤١، اللسان [طها] الدر المصون ٣ / ٤٦٥.