لمّا توعد من لا ينفر مع الرسول ، أتبعه بهذا الأمر الجزم ، فقال : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً) نصبهما على الحال من فاعل «انفروا». قال الحسن ، والضحاك ، ومجاهد ، وقتادة وعكرمة : «شبانا وشيوخا» (١). وعن ابن عباس : نشاطا وغير نشاط (٢). وقال عطية العوفي : ركبانا ومشاة (٣). وقال أبو صالح : «خفافا من المال ، أي : فقراء و «ثقالا» أي : أغنياء» (٤). وقال ابن زيد «الثقيل : الذي له الضيعة ، والخفيف : الذي لا ضيعة له» (٥). وقيل : «خفافا» من السلاح أي : مقلين منه ، و «ثقالا» مستكثرين منه. وقال مرة الهمداني : صحاحا ومراضا.
وقال يمان بن رباب «عزابا ومتأهلين» ، وقيل غير ذلك. والصحيح أنّ الكلّ داخل فيه ؛
لأنّ الوصف المذكور وصف كلّي ؛ فيدخل فيه كل هذه الجزئيات ، فقد روى ابن أم مكتوم أنه قال لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : أعليّ أنّ أنفر؟ قال : «ما أنت إلّا خفيف أو ثقيل». فرجع إلى أهله ولبس سلاحه ، ووقف بين يديه ؛ فنزل قوله : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ).
وقال مجاهد : «إنّ أبا أيّوب شهد بدرا مع الرسول ، ولم يتخلف عن الغزوات مع المسلمين ، ويقول : قال الله تعالى : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً) فلا أجدني إلّا خفيفا أو ثقيلا» (٦). وعن صفوان بن عمرو قال : كنت واليا على حمص ، فلقيت شيخا قد سقط حاجباه ، من أهل دمشق على راحلته يريد الغزو ، فقلت : يا عم أنت معذور عند الله ، فرفع حاجبيه وقال : يا ابن أخي استنفرنا الله خفافا وثقالا ، إلا إنّ من أحبّه ابتلاه. وعن الزهري : خرج سعيد بن المسيب إلى الغزو وقد ذهبت إحدى عينيه فقيل له : إنّك عليل صاحب ضرر ، فقال : استنفر الله الخفيف والثقيل ، فإن عجزت عن الجهاد كثرت السواد وحفظت المتاع. وقيل للمقداد بن الأسود وهو يريد الغزو أنت معذور ، فقال : أنزل الله علينا في سورة براءة : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً)(٧) [التوبة : ٤١] والقائلون بهذا القول يقولون : إنّ هذه الآية نسخت بقوله : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ) [النور : ٦١] وبقوله : (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ) وقال عطاء
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٣٧٦ ـ ٣٧٧) عن الحسن والضحاك وعكرمة ومجاهد ومقاتل وأبي طلحة.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٤٤٠) عن عكرمة وعزاه إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر.
وذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٩٦) عن الحسن والضحاك وقتادة ومجاهد وعكرمة.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٣٧٧ ـ ٣٧٨) عن ابن عباس وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٤٤٠) وعزاه إلى ابن أبي حاتم.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٣٧٨) وذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٩٦).
(٤) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٩٦).
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٣٧٨) وذكره البغوي (٢ / ٢٩٦).
(٦) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٤٤٠) وعزاه إلى ابن سعد والحاكم عن ابن سيرين.
(٧) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٩٦ ـ ٢٩٧) عن الزهري.