(وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً). ذكر المفسرون في تفسير هذه الآية وجهين ، أحدهما : غيبيّ ، فقد قال الكلبي : ـ في ما نقله عنه صاحب مجمع البيان ـ وهم أبو سفيان والنضر بن الحارث وأبو جهل وأم جميل امرأة أبي لهب ، حجب الله رسوله عن أبصارهم عند قراءة القرآن ، وكانوا يأتونه ويمرون به ولا يرونه (١) ، وثانيهما : أن فقرة (جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً) بمعنى باعدنا بينك وبينهم في القرآن ، فهو لك وللمؤمنين معك شفاء وهدى ، وهو للمشركين في آذانهم وقر وعليهم عمى ، فهذا هو الحجاب ، وهذا التفسير عن أبي مسلم(٢).
ولكن هذين الوجهين لا ينسجمان مع جو الآية الذي يؤكد على العنصر الذاتي في رفض الإيمان ، هذا مع ملاحظة أن مثل هذه التفسيرات لا ترتكز على قاعدة ، بل تنطلق ـ غالبا ـ من اجتهادات ذاتية ؛ فقد يتساءل المتأمّل عن معنى هذا الحجاب بين هؤلاء وبين النبي عند قراءته للقرآن بحيث لا يرونه ، فهل المسألة هي حمايته من أنظارهم أو من الاعتداء عليه ، وهل القضية ذاتية بالنسبة إليه في تلاوته للقرآن ، أم أنها للدعوة وللحوار وللتواصل معهم من أجل أن يهتدوا به؟! ثم ما الوجه في اختصاص هؤلاء بذلك ، في الوقت الذي كان الكثيرون من قريش ممن يرون رأي هؤلاء ويتصرفون على طريقتهم؟!
وما الفائدة ـ في أجواء التفسير الثاني ـ بالتأكيد على المباعدة الإلهية بين القرآن وبين المشركين ليكون عمى لهم ، بينما هو شفاء للمؤمنين ، وذلك بالتعبير عن المسألة بأنه حجاب مستور؟!
ولعل الأظهر ـ في معناه ـ هو الحجاب النفسي الذي جعله الله من خلال حالتهم الداخلية في رفض الإيمان ومواجهة القرآن بطريقة اللّامبالاة ، مما
__________________
(١) (م. س) ، ج : ٦ ، ص : ٥٤١.
(٢) (م. ن) ، ج : ٦ ، ص : ٥٤١.