في التحضير ، أم لا بد له من أن يبقى في مرحلة الانتظار للمفاجات والمتغيرات التي يمكن أن تجمّد المشروع ، أو تقلب الأمور رأسا على عقب؟
ربما يختار البعض الموقف الأول ، لأن ذلك هو السبيل للانفتاح على الواقع والحياة التي أودع الله فيها سننه الكونية والعملية التي تخضع الحركة القانون السببية ، الذي يربط المسببات بأسبابها والنتائج بمقدماتها ، مما يجعل من النتائج أوضاعا حاسمة فيما إذا استجمعت القضية شروطها الموضوعية وأسبابها الطبيعيّة ، ولو لا ذلك لتعطّل الجهد عن التحرك نحو الأشياء من موقع الإرادة الحاسمة.
وقد يرى هذا البعض أن هذا الاتجاه يمنع الخطوات من الاهتزاز ، والوعي من حالة القلق ، ويؤدي بالتالي إلى مواجهة الحياة من موقع القوّة.
إلّا أن للقرآن أسلوبا آخر في المسألة ، فهو لا يمنع الارتباط بقانون السببيّة ، ولكنه يريد للإنسان أن يعي ـ وراء ذلك ـ السبب الأعمق للأشياء ، الذي يمكن أن يمحو ويثبت ويغيّر ويبدّل بحسب مشيئته المهيمنة على الكون كله. ولذلك فإن سببيّة أيّ شيء لشيء لا يفرض حتمية المسبّب ، لأن مشيئة الله ، إذا جاءت على خلاف ذلك ، كانت الغالبة على الأسباب من خلال ما تفرضه وتقتضيه. ولهذا جاءت هذه الآية التي توحي بالعقيدة الصافية في المسألة الإلهيّة ، في الدائرة التي يتحرك فيها علم الإنسان وإرادته ، أمام الدائرة التي يتعلق بها علم الله وإرادته ، فإن الإنسان قد يعلم شيئا من الأسباب ، ولكنه لا يحيط بكثير منها ، لا سيّما الأسباب الخفية ، كما أن إرادته لا تحيط بكل مواقع المستقبل ، بينما يملك الله علم كل شيء ، ويتصل الحاضر والمستقبل بإرادته ومشيئته.
* * *