ومشاعر ، فلا يقبلون أيّ تغيير أو تبديل لذلك ، وهذا هو المراد من إغفال الله لقلوبهم عن ذكره ، فليس المقصود أن الله يريد ذلك لهم بطريق الجبر الذي لا يملكون معه الاختيار ، بل المراد حصوله من خلال قانون السببية الذي يجعل الغفلة نتيجة حتمية للسلوك اللاهي المتمرد على كل دعوة للفكر وللحوار ، تماما كما في نسبة كل الأفعال الإنسانية إلى الله ، باعتبار أن حركة السببية في حياتهم التي تربط النتيجة بالمقدمات ، هي التي أودعها الله في كيانهم ، في الوقت الذي كانت حركة الأسباب بيد الإنسان. فالحتمية إنما هي في طبيعة السببية لا في حركة السبب.
لا تطع ـ يا محمد ـ هؤلاء الغافلين عن ذكر الله ، الذين تقودهم غفلتهم إلى الاستغراق في المعاصي والاستسلام للانحراف ، ولا تقبل على أيّ واحد منهم ، لأنه بسلوكه يبتعد عن الله ، ويقترب من الشيطان. (وَاتَّبَعَ هَواهُ) فلم ينطلق في حياته من قاعدة ثابتة تحكم كل تصرفاته وأوضاعه ، بل انطلق ذات اليمين وذات الشمال ، تبعا لهواه الذي يتغيّر حسب تغير الظروف والأوضاع. (وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) متجاوزا لحدود الحق في أفكاره وأقواله وأفعاله ، ومنحرفا عن الصراط المستقيم. فإن إطاعته والانسجام معه ، يعني الالتزام بخط الانحراف الذي يمثله ، لأن التفاصيل الجزئية تتبع القاعدة الكلية في طبيعة الاستقامة والانحراف.
وهكذا رأينا ـ كما جاء في مناسبة النزول ـ هذه الروحية المستكبرة المتحركة من الموقع الطبقي للمجتمع الذي يحتله هؤلاء ، ورأينا كيف أرادوا أن يثيروا هذا الموقع في ساحة الإسلام ، ليؤكدوا التمايز بين مجتمع المترفين ومجتمع الفقراء ، فيعطي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لهؤلاء دورا يحتفظ لهم بخصوصياتهم وامتيازاتهم ، ويعطي الآخرين دورا يشرف فيه على أوضاعهم ويحفظ لهم كرامتهم ، أو يطرد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الفقراء من ساحة الإسلام ، ليكون الإسلام دين الأشراف من الفئة العليا المميزة في المجتمع ، ليمنحوه موقعا متقدما من خلال