(فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ) إذا انطلق تفكيره في الخط المستقيم الذي لا بد من أن يقوده إلى الحق الذي لا ريب فيه ، لأنه ينسجم مع الفطرة الإنسانية السليمة. (وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) إذا استسلم لهواه ، وخضع لضغط تقاليده وعاداته المتخلّفة ، وشهواته المنحرفة ، ومزاجه المريض ، وتفكيره المعقّد. إنّ للإنسان الحرية في الاختيار بعد وضوح الحق أمامه ، وعليه أن يتحمل مسئولية اختياره في جميع النتائج السلبية والإيجابية التي تنتظره. وإذا كان الإسلام يقرر سلبية اختيار الكفر على المصير ، فلأنه لا يراه منطلقا من حالة فكرية ليبرر للإنسان موقفه فيها ، بل يراه منطلقا من حالة مزاجية ، لا ترتاح للفكر ، ولا تتحمل متاعبه ، وبذلك تتنكر لكل نتائجه. ولهذا كانت النار مأوى الكافرين ، لأن موقفهم ينطلق من حالة جحود وتمرّد لا حالة اقتناع وإذعان ، فوسائل الإيمان متوفرة للذين يأخذون بها من أقرب طريق.
(إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها) كناية عن إحاطة النار بهم من جميع الجهات ، كما تحيط الخيمة بظلالها كل من هو في داخلها. (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا) من شدة العطش ، أو من شدة الحريق الذي يحيط بهم فيطالبون بالماء لإطفاء حرارته (يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ) ، وهو خثارة الزيت ، وهو شديد الاشتعال (يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً) أي متكأ ، وذلك كناية عن المصير السيّئ.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) واختاروا الإيمان من موقع فكرهم ، وحوّلوه إلى موقف وممارسة من خلال جدّيتهم في حركة المسؤولية ، (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) اتخذ لنفسه الموقف الصحيح المتوازن في العمل الأحسن المرتكز على الفكر الأفضل. وبذلك كان يمثل العامل الكادح في الحياة المسؤولة ، الذي كان كدحه لربّه في المستوى الذي يستحق عليه الأجر العظيم منه ، وهو ما يحفظه الله له في حساب الثواب والرضوان في يوم