يكون في البعيد ، فهو دليل على بعد ما بينهما» (١).
وقد نستطيع المناقشة في هذا التفسير أولا ، بأن الآية السابقة قد تصلح قرينة على الاختصاص ، من خلال ما تحدثت به عن إبليس وذريته باعتبارهم شركاء في عقيدة هؤلاء ، وثانيا بأن الآية لا تفرض بأن يكون الشركاء المزعومون في النار ، لأن من الممكن أن يكون هؤلاء في موقع ، وأولئك في موقع آخر ؛ بأن يكون المشركون في النار ، وبذلك فإنها تفصل بينهم وبين الآخرين الذين هم خارجها ، وليس من الضروري أن يكونوا ـ جميعا ـ في النار ، في ما تقتضيه كلمة (بَيْنَهُمْ) ، فقد وردت في آية أخرى في مورد اختلاف الموقع ، في قوله تعالى : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) [الحديد : ١٣] والله العالم.
(وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها) لأن الجوّ الذي يحيط بموقفهم يوحي بذلك ، ولأن الأعمال التي قاموا بها في الدنيا في نطاق الجريمة ، تؤدي إلى النار ، من خلال ما سمعوه من إنذار الأنبياء والرسل بأن النار هي عاقبة المجرمين ، إلا أن يعفو الله عنهم ، ولم يعف الله عنهم في هذا الموقف ، كما يرون. وإذا كانت جريمتهم هي الشرك فإن الله لا يغفر أن يشرك به. والظاهر أن المراد بالظن هنا هو الإحساس المتعاظم بالنتيجة الذي يواجه الحقيقة بطريقة ضاغطة ، لا مجال للهروب منها. (وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً) ينصرفون إليه ويبتعدون به عن النار التي تستقبلهم ليدخلوها بعد قليل.
* * *
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ١٣ ، ص : ٣٢٧.