يملك الوضوح الذي يؤدي به إلى الإيمان ، بل المشكلة في طبيعة العقدة التي يعيشها الإنسان الذي يستسلم لنوازعه الذاتية في التمرّد والانحراف ، لئلا يغيّر عاداته أو أفكاره ، ولئلا يدخل في الأجواء الرسالية التي تثير في داخله الإحساس بالمسؤولية ، وهو ما يمكن أن يتعب جسده ، أو يبعده عن مواقع الراحة واللهو والاسترخاء في حياته ... ولذلك فإنه يلجأ إلى الهروب من مواجهة الحقيقة الواضحة ، بالالتفاف عليها بطريقة الجدل الكلامي الفارغ الذي يثير الغبار في وجهها ، ولكنه لا يستطيع أن يحجبها عن العقول.
(وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) في ما تعنيه هذه الكلمة من الدخول في المنازعات والمشاجرات التي تريد أن تملأ الجوّ بالكلام ، وتشغله بالبحث في القضايا الصغيرة الجانبيّة ، ليبتعد الناس عن الارتباط بالمسائل الكبيرة في حركة العقيدة والحياة ، ولينصرفوا عن التفكير فيها بطريقة علمية موضوعية ، عند ما تستهلك الهوامش الفكرية كل جهدهم ، فيأتون إلى المسألة الحاسمة بجهد مثقل بالتعب ، وروح فارغة من القوّة ، وإرادة متعبة من الخلاف ... وهكذا تضيع الحقيقة في غمار الجدل ، ويبتعد الإنسان عن العمق ، فلا يلتقي بحقائق العقيدة إلا من خلال ستار كثيف من المشاعر المتوترة ، والذهنيات المعقّدة ، والكلام الفارغ.
* * *