للدخول في حوار مع الرسل ، ولا يركنون إلى فكر يوجههم ، ولا إلى علم يهديهم ، بل ينطلقون في مواقفهم من موقع العصبية الذاتية أو القبلية أو التاريخية التي تربطهم بعقيدة الآباء والأجداد ، أو غير ذلك فيبادرون إلى إطلاق التحدي في وجه النبي ، أن يأتيهم بعذاب الله الذي يهلكهم إن كان من الصادقين. ويحاول النبيّ بكل الوسائل أن يقرّب إليهم الفكرة ، ويحذّرهم من عذاب الله في الدنيا والآخرة ، فلا يستجيبون له ، فينزل الله العذاب عليهم ويهلكهم بالصاعقة ، أو بالصيحة ، أو بالزلزال ، أو بالطوفان ، أو بغير ذلك من ألوان العذاب ، فيستأصلهم ، فلا يبقى منهم أحد إلا المؤمنون.
وهذا ما عاشه النبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم في بعض مواقف قومه منه ، فقد أبوا أن يؤمنوا لأنهم لا يلتزمون إرادة الإيمان ، ولا يعيشونها ، ولم يجدوا أمامهم إلا أن يهربوا من دعوة النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم لهم إلى الحوار ، وذلك بإطلاق التحدي في وجهه ، أن تأتيهم سنة الأولين ، فيستريح منهم ، (أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً) أي مواجهة وعيانا ومقابلة ، بحيث يرونه ويشاهدونه عند إقباله عليهم ، ليؤمنوا بعد ذلك. أما تفسير العلاقات بين طلبهم هذا ، وبين عدم الإيمان ، لتكون سنّة الأوّلين أو إتيان العذاب مانعا لهم عن الإيمان ، فقد يكون معناه ، أنهم كانوا يظنون أو يعتقدون أن المسألة ـ أعني العذاب ـ ليست بهذه الجدية ، وأن النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم ليس قادرا على الاستجابة لهم ، لأنهم لا يعتقدون بنبوّته لعدم تقديمه لهم المعاجز التي اقترحوها عليه ، وبذلك يعتبرون الطلب الذي يقدمونه خروجا من مأزق الدعوة النبوية إلى الفكر والتأمل والحوار الذي لا يريدونه ... وبذلك لا يكون هذا مانعا حقيقيا ، ولكنه مانع افتراضيّ باعتبار أنهم يتخذونه حجة على عدم الإيمان ، لأن النبي لم يستجب لهم في ذلك ، مما يعتبرونه دليلا على عدم صدقه بادعاء النبوة ، ولكنهم ليسوا جادين بذلك ، لأن النبي أراد لهم أن يناقشوا الإيمان معه من موقع العقل والفكر ، ليهتدوا على هذا الأساس ، بعيدا عن مسألة المعاجز ، أو التهديد بالعذاب المباشر ،