الوارد فيها هو نسيان الحوت من دون أيّة إشارة إلى طبيعة وضعه. ولكن قد تكون الفقرة التالية : (فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً) دليلا على حياته بعد الموت ، لأنها تتحدث عنه كما لو كان يتحرك حركة اختيارية في سلوكه الطريق إلى البحر الذي يدخل إليه ليغيب فيه ، وهذا هو معنى السرب ، كما يستفاد ذلك من الآية التالية : (فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا) من السمكة التي حملاها معهما ، ولعل ذلك هو الذي جعل المفسرين يقولون إنه كان حوتا مشويا ، لأنه كان معدّا للغداء. (لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً) أي تعبا ، لأن المسافة كانت طويلة ـ على ما يبدو ـ فشعرا بالجوع. ولكن الغلام فاجأه بنسيانه لها في المكان الذي جاوزاه (قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ) هناك من دون قصد إلى ذلك ، بل كان غفلة سانحة (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ) في ما يمثله من السيطرة على وعي الإنسان للأشياء (أَنْ أَذْكُرَهُ) فأحدثك بما حدث له من الأمر العجيب. (وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً) في ما يمثله رجوعه إلى الحياة من العجب.
(قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ) ونطلب لأن ذلك كان هو العلامة التي يلتقيان فيها مع العبد الصالح (فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما) أي آثار أقدامهما (قَصَصاً) في اتباع الأثر لئلا يضلا الطريق. وهكذا رجعا إلى تلك النقطة.
وربما يكون نسيان موسى عليهالسلام مذكورا للتغليب ، باعتبار أن أمر الحوت متعلق بهما من دون أن تكون هناك حالة نسيان له من قبله ، لأن المسألة متصلة بغلامه الذي كان موكلا بحمل الحوت وحفظه ، مما يجعل قضية الذكر والنسيان قضيته الخاصة ، لا قضية موسى عليهالسلام الذي لم يكن في موارد التوجه إلى هذه المسألة ليرفض تذكره أو نسيانه لها.
* * *