فيه ، فكفروا به وبرسله من هذا الموقع ، ولم يفكروا باليوم الآخر الذي حدثهم عنه الأنبياء وجاءت به الكتب المنزلة وقادهم إليه عقلهم الذي يربط بين حركة الوجود في البداية وحركة البعث في النهاية ، وفي عقلانية المسألة من حيث الإمكان ، فكذبوا بلقاء الله في ذلك اليوم ، فابتعدوا عن الاستقامة ، وتخبّطوا في الطريق ، فضلّوا عن مواقع الهدى ، إذ لم تتحرك أعمالهم من قاعدة ، بل انطلقت عشوائيا ، فلم تؤد بهم إلى نتيجة ، وضاعت كلها سدى كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون على شيء مما كسبوا ... (فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ). وقد ذكر بعض المفسرين ، أن الحبوط هو انتفاخ بطن الدابة حين تتغذى بنوع سامّ من الكلأ ثم تلقى حتفها. وبذلك يتناسب التعبير مع طبيعة أعمال الكافرين التي تتضخم وتنتفخ ، حتى يخيّل إليك أنها ظاهرة صحة وعافية ، ولكن الواقع يتكشّف في نهاية المطاف ، عن ظاهرة مرضيّة داخلية عميقة توحي بالهلاك والدمار.
(فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) لأنهم لا يملكون أيّة قيمة حقيقة في ما تعنيه القيمة التي تعطي للإنسان وزنه عند الله ، من القاعدة الروحية الإيمانية المنفتحة على الحقيقة ، من موقع الإشراق والوضوح ، لأن الوزن الذي قد يتحرك من حالة الثقل الظاهري ، لا ينطلق من ثقل حقيقيّ في المضمون ، بل من انتفاخ لا يحمل في داخله إلا الهواء ، وذلك لما يمثله الباطل من حالة انعدام في الوزن. ومن هنا ، فإن الله يهملهم ويلقيهم في زاوية مّا ، كأيّة كمّية مهملة لا معنى لها ، وإذا كانت المسألة لا تملك حلّا وسطا ، فإمّا إلى الجنّة وإما إلى النار ، وإذا كانت الجنة لا بد من أن تكون نتيجة ثقل في القيمة وفي العمل ، فلا بد من أن تكون النتيجة لأمثال هؤلاء هي النار.
(ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا) لأنهم غير معذورين في الكفر ، لعدم رجوعهم فيه إلى حجّة (وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً) فلم يرجعوا إلى قاعدة للفكر في الرفض ، وإلى خطّ للحوار في الموقف ، بل عاشوا أجواء السخرية