ينزلون في هذه الجنات ، لا يسأمون منها ولا من طعم نعيمها ولون سعادتها ، فلا يعملون للخروج منها ، مهما امتد بهم الزمن. (لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً) ومتحولا إلى دار أخرى. وتلك هي خصوصية نعيم الجن التي تتميز بها عن نعيم الدنيا ، لأنها تمثل الجوّ الذي يتوازن فيه الشعور الداخلي بالسعادة في الإنسان مع الواقع الطبيعي الذي ينفعل به ويلتقي معه. وهذا ما نستوحيه من الكلمة المأثورة عن الجنة حيث فيها «ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر» (١) ، مما يمنع من عملية المقارنة بين الدنيا والآخرة في ذلك ، لأن أجواء الآخرة تختلف في العمق عن أجواء الدنيا ، بالرغم من أن طريقة التعبير عن النعيم في الجنة بالأسلوب الحسي ، قد توحي بالمشابهة ، ولكن المشكلة هي أنك لا تستطيع تقديم الصورة التي تقترب من أجواء المطلق ، إلا بالوسائل التي لا تملك فيها إلا الصورة التي تعيش في ساحة المحدود.
* * *
__________________
(١) البحار ، م : ٣ ، ج : ٨ ، ص : ٤٨٩ ، باب : ١٦.