الصورة ، ليعيش تصور المطلق من خلال تصور المحدود ، ولكن بأسلوب يوحي بالامتداد بما يقرب من أجواء المطلق.
إنها تتحدث عن كلمات الله ـ والكلمة هي معنى يوجد باللفظ ـ فهل أن كلمات الله هي الألفاظ الصادرة منه؟ وهل يمكن صدور الكلمة من الله كما تصدر من الإنسان من الفم ، والله ليس جسدا يتكلم بالمعنى المادي للكلام؟!
إن الكلمة قد تكون تعبيرا عن كل فعل يصدر من الله في مسألة الخلق والإيجاد ، وهذا ما عبّر عنه الله في كل مظاهر إرادته في حركة الأشياء في قوله تعالى : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس : ٨٢] وذلك من خلال المضمون الداخلي للكلمة ، باعتبار أنه دالّ على الفعل. وهذا هو الذي جعل المسيح عليهالسلام في خلقه كلمة الله ، باعتبار أنه الدليل على وجوده وقدرته وعظمته. وربما كان المراد منها علم الله ، باعتبار أن الكلام في مضمونه يمثّل المعنى الحيّ للمعرفة ، فيكون المراد من كلمات الله معلوماته. وقد يكون المعنى الأول هو الأقرب باعتبار الأسلوب القرآني الذي جاءت فيه الكلمة منسجمة معه ، كما أشرنا إليه آنفا.
ولكن مسألة المعلومات لا تبتعد عن الجو في ما يريد القرآن دائما أن يؤكده من إحاطة الله بالكون كله وبالحياة وبالإنسان من خلال علمه الواسع المطلق.
ولا يتنافى هذا الفهم مع المعنى الأول الذي قد يكون شاملا للكلمة التي تعبر عن المضمون المتجسّد للواقع في ما يعنيه فعل الله من ذلك ، كما يكون شاملا للكلمة التي تعبر عن المعرفة بواسطة موادّها في الحياة ، ليكون كناية عن الاثنين معا ، حيث يتحرك علم الله في كل آفاق الحياة التي هي خلقه وفعله وإرادته التكوينية في الوجود.
* * *