والعملي والروحي ، ولتكون هي التعبير الحي عن كل صفاته وآفاقه وتطلعاته ... لتظهر الصورة في هذه الوحدة بين الرسالة والرسول ، الأمر الذي يجعل اتباع الرسول حركة واقعية في الاتصال بالله واللقاء برضوانه ، مما يجعل من العلاقة به علاقة برسالته ، لا لونا من ألوان الاستغراق في شخصيته والارتباط بذاته ، لأن الله لا يريد للناس أن يلتقوا بالرسول من خلال ذاته ، بل من خلال أنّه يمثل الرمز الحيّ للرسالة ، ليبحثوا في ذاته عن عناصر الرسالة في فكره وروحه وجهاده المتحرك في أكثر من اتجاه ، وهذا ما أرادت الآية التالية أن توحي به.
(قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) فليست لي شخصية ذاتية تختلف عن شخصيتكم ، وليس لي أيّ سرّ في قدرتي الجسدية تختلف عن قدرتكم ... فإني أجوع ، وأشبع ، وأمرض ، وأشفى ، وأحزن ، وأفرح ، وأعيش كل نقاط الضعف الذاتي في جسمي كما تعيشون ، وأحيا كما تحيون ، وأموت كما تموتون. ولكن الفرق بيني وبينكم هو أني رسول الله إليكم ، فأنا أتلقي الوحي من الله في وعي كامل لحقيقته ، وفي استجابة روحية لروحيته ، وفي حركة منفتحة على كل مواقعه ومواقفه ... ثم أبلغكم إيّاه من موقع الوعي والإيمان والمعاناة ، لأبشركم بما ينتظركم من ثواب في خط الطاعة ، وأنذركم بما يواجهكم من عقاب في خط المعصية ، ولأعمل على أن أقودكم إلى ساحة المسؤولية التي تعيشون فيها الانفتاح على الله وحده ، والرجاء الخاشع ليوم لقائه ... (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ) ليحصل على محبته ورضاه ، (فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً) من موقع التفاصيل الدقيقة للوحي في تخطيطه لحياة الإنسان في أقواله وأفعاله ... وليؤمن بالله الواحد في حركة العقيدة والعبادة ، (وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) ، فهذا هو طريق الخلاص ، وسبيل القرب إلى الله ، والحصول على جنته في يوم اللقاء الكبير بالله سبحانه في اليوم الآخر.