كان الله هو الذي أنعم عليه بكل النعم التي جعلت لحياته قوّة واستمرارا ، فإن الوالدين قد عملا بكل ما لديهما من جهد ومعاناة وتضحية في سبيل تحريك عناصر الامتداد في عمق وجوده. وهكذا أراد الله للإنسان أن يعي هذه الحقيقة في علاقته بهما ، ويوحي لنفسه بالسر العميق الكامن وراء ذلك ، والمتجلّي في ما أودعه الله في قلبيهما من الشعور بالعاطفة والرحمة اللتين تتميزان بالعطاء دون مقابل ، فيعانيان الألم والتعب من أجل أن تتكامل حياة ولدهما وتلتذ وترتاح ، بكل روح طيّبة معطاء.
وهكذا أراد له أن يحسن إليهما بالكلمة واللمسة واللفتة والحركة ، وبالاحتضان الروحي الذي يحسان به عميقا ، كاحتضانهما له في طفولته وما ينطوي عليه من عاطفة وحب وحنان.
(إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما) فتقدّم السنّ يؤدّي إلى اختلال المزاج وسوء الخلق ، وضيق الصدر ، ممّا ينعكس على تصرفاتهما التي تتخذ جانبا سلبيا ضد الناس الذين يعيشون معهما ، لا سيما أولادهما الذين يشعرون بالضيق من ذلك ، فيحدث ـ بسببه ـ ردّ فعل سلبيّ تجاههما ، مما يوجب صدور الإساءة منهم إليهما ، لأن القوي عادة يضغط على الضعيف ويؤذيه ويهينه ، وبذلك نفهم أن الكبر ليس له خصوصية في ذاته ، بل الخصوصية له بلحاظ ما يستتبعه من تصرفات تؤدي إلى ردود فعل سلبية من قبل الولد.
(فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) في عملية رد فعل للشعور بالضيق النفسي من تصرفاتهما ، كمظهر من مظاهر التعبير عن الأفعال في أقلّ نماذجه ، فإذا لم يجز ذلك ، فلا يجوز ما هو أشد منه ، لأن الأساس هو حرمة الإيذاء ، فيحرم الأقوى في الإيذاء إذا كان الأضعف محرما. وقد جاء في كلمات أهل البيت عن الإمام جعفر الصادق عليهالسلام أنه قال : «لو علم الله لفظة أوجز في ترك عقوق الوالدين