إن كان كبر عليكم ذلك فعلى الله وحده توكلت ، وإليه وحده فوضت أمرى ولن يصرفني عن الاستمرار في تبليغ ما أمرنى بتبليغه وعد أو وعيد منكم.
وخاطبهم ـ عليهالسلام ـ بقوله : (يا قَوْمِ) استمالة لقلوبهم وإشعارا لهم بأنهم أهله وأقرباؤه الذين يحب لهم الخير ، ويكره لهم الشر.
وجملة (فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ) جواب الشرط. وقيل جواب الشرط محذوف والتقدير : إن كان كبر عليكم ذلك فافعلوا ما شئتم فإنى على الله وحده توكلت في تبليغ دعوته لكم.
وقوله : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ) معطوف على ما قبله.
والفعل (فَأَجْمِعُوا) بقطع الهمزة مأخوذ من أجمعت على الأمر إذا عزمت عليه عزما مؤكدا ووطنت نفسك على المضي فيه بدون تردد أو تقاعس.
والمراد بالأمر هنا : المكر والكيد والعداوة وما يشبه ذلك.
والمراد بشركائهم : أصنامهم التي عبدوها من دون الله وظنوا فيها النفع والضرر والتمسوا فيها العون والنصرة.
والمعنى : أن نوحا ـ عليهالسلام ـ قد قال لقومه بصراحة ووضوح : يا قوم إن كان قد شق عليكم مقامي فيكم ، وتذكيري بآيات الله الدالة على وحدانيته فاجمعوا ما تريدون جمعه من مكر وكيد بي ، ثم ادعوا شركاءكم ليساعدوكم في ذلك فإنى ماض في طريقي الذي أمرنى الله به ، بدون مبالاة بمكركم وبدون اهتمام بكيدكم.
قال الآلوسى : «وقوله (وَشُرَكاءَكُمْ) منصوب على أنه مفعول معه لأن الشركاء عازمون لا معزوم عليهم. وقيل إنه منصوب العطف على قوله (أَمْرَكُمْ) بحذف المضاف. أى فأجمعوا أمركم وأمر شركائكم.
وقرأ نافع : فاجمعوا بوصل الهمزة وفتح الميم من جمع وعطف الشركاء على الأمر في هذه القراءة ظاهر بناء على أنه يقال : جمعت شركائى ، كما يقال جمعت أمرى ...» (١).
وقوله : (ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً) معطوف على ما قبله ، ومؤكد لمضمونه.
وكلمة (غُمَّةً) بمعنى الستر والخفاء. يقال : غم على فلان الأمر أى : خفى عليه واستتر.
ومنه الحديث الشريف : «صوموا لرؤيته ـ أى الهلال ـ وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١١ ص ١٤٠.