أبى الالتقاء به إلا بعد أن يحقق الملك في قضيته بنفسه ، ويعلن براءته على رءوس الأشهاد ...
وبعد أن استجاب الملك لطلب يوسف ، وثبتت براءته ـ عليهالسلام ـ حضر معززا مكرما وقال للملك بعزة وإباء : (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ).
استمع إلى السورة الكريمة وهي تحكى هذا المشهد بأسلوبها الزاخر بالمحاورات والمفاجآت ، فتقول : (وَقالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ ، وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ ، يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ* قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ* وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ* يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ* قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ ...).
وينتهى هذا المشهد ببيان سنة من سنن الله ـ تعالى ـ التي لا تتخلف ، والتي تتمثل في حسن عاقبة المؤمنين حيث يقول ـ سبحانه ـ : (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ ، نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ* وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ).
(ز) ثم تنتقل السورة الكريمة في القسم السابع (١) منها إلى الحديث عن اللقاء الأول الذي تم بين يوسف وإخوته ، بعد أن حضروا من بلادهم بفلسطين إلى مصر يلتمسون الزاد والطعام ... وكيف أنه عرفهم دون أن يعرفوه .. وكيف أنه ـ عليهالسلام ـ طلب منهم بعد أن أكرمهم أن يحضروا إليه من بلادهم ومعهم أخوهم من أبيهم ـ وهو شقيقه «بنيامين».
وكيف أن أباهم وافق على إرسال «بنيامين» معهم بعد أن أخذ عليهم العهود والمواثيق لكي يحافظوا عليه ..
استمع إلى السورة الكريمة وهي تحكى كل ذلك فتقول : (وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ* وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ ، أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ* فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ* قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ* وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ
__________________
(١) الآيات من ٥٨ ـ ٦٨.