٦ ـ هذا عرض مجمل لأهم الموضوعات التي اشتملت عليها سورة يوسف ـ عليهالسلام ـ ومن هذا العرض نرى أن السورة الكريمة قد اهتمت بأمور من أهمها ما يأتى :
(أ) إبراز الحقائق والهدايات ، بأسلوب المحاورات والمجادلات والمناقشات ... ومن مظاهر ذلك :
المحاورات التي دارت حول إخوة يوسف في شأن الانتقام منه ، والتي منها قوله ـ تعالى ـ : (لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ* إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ* اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ ، وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ* قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ).
والمحاورات التي دارت بينهم وبين أبيهم في شأن اصطحابهم ليوسف ، والتي منها قوله ـ تعالى ـ : (قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ* أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ* قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ* قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ).
والمحاورات التي دارت بين يوسف وإخوته ، بعد أن عرفهم وهم له منكرون ، وبعد أن ترددوا عليه ثلاث مرات للحصول على حاجتهم من الزاد ... والتي منها قوله ـ تعالى ـ : (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ ، فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ. قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ* قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ ، قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا ، إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ* قالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ* قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).
وهكذا نجد السورة الكريمة زاخرة بأسلوب المحاورات والمناقشات والمجادلات. تارة بين يوسف وإخوته ، وتارة بين إخوته فيما بينهم ، وتارة بينهم وبين أبيهم ، وتارة بين يوسف وامرأة العزيز ، وتارة بينه وبين ملك مصر في ذلك الوقت.
وهذه المحاورات التي حفلت بها السورة الكريمة ، قد أكسبتها لونا من العرض المشوق ، الذي يجعل القارئ لها يتعجل حفظ كل موضوع من موضوعاتها ، ليصل الى الموضوع الذي يليه.
وهذا الأسلوب في عرض الحقائق من أسمى الأساليب التي تعين القارئ على حفظ القرآن الكريم ، وعلى تدبر معانيه ، وعلى الانتفاع بهداياته ..