ثم أضافت إلى كل تلك المغريات أنها قالت له : هيت لك ، أى : ها أنا ذا مهيئة لك فأسرع في الإقبال على ...
وهذه الدعوة السافرة منها له ، تدل على أن تلك المرأة كانت قد بلغت النهاية في الكشف عن رغبتها ، وأنها قد خرجت عن المألوف من بنات جنسها ، فقد جرت العادة أن تكون المرأة مطلوبة لا طالبة ...
و «هيت» اسم فعل أمر بمعنى أقبل وأسرع ، فهي كلمة حض وحث على الفعل ، واللام في «لك» لزيادة بيان المقصود بالخطاب ، كما في قولهم : سقيا لك وشكرا لك. وهي متعلقة بمحذوف فكأنما تقول : إرادتى كائنة لك.
قال الجمل ما ملخصه : «ورد في هذه الكلمة قراءات : «هيت» كليت ، و «هيت» كفيل و «هيت» كحيث ، و «هئت» بكسر الهاء وضم التاء ، و «هئت» بكسر الهاء وفتح التاء.
ثم قال : فالقراءات السبعية خمسة ، وهذه كلها لغات في هذه الكلمة ، وهي في كلها اسم فعل بمعنى هلم أى أقبل وتعال (١).
وقوله ـ سبحانه ـ (قالَ مَعاذَ اللهِ ، إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ ، إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) بيان لما ردّ به يوسف عليها ، بعد أن تجاوزت في إثارته كل حد.
و «معاذ» مصدر أضيف إلى لفظ الجلالة ، وهو منصوب بفعل محذوف أى : قال يوسف في الرد عليها : أعوذ بالله معاذا مما تطلبينه منى ، وأعتصم به اعتصاما مما تحاولينه معى ، فإن ما تطلبينه وتلحين في طلبه يتنافى مع الدين والمروءة والشرف .. ولا يفعله إلا من خبث منبته ، وساء طبعه ، وأظلم قلبه.
وقوله (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ) تعليل لنفوره مما دعته إليه ، واستعاذ بالله منه.
والضمير في «إنه» يصح أن يعود إلى الله ـ تعالى ـ فيكون لفظ ربي بمعنى خالقي. والتقدير : قال يوسف في الرد عليها : معاذ الله أن أفعل الفحشاء والمنكر ، بعد أن أكرمنى الله ـ تعالى ـ بما أكرمنى به من النجاة من الجب ، ومن تهيئة الأسباب التي جعلتني أعيش معززا مكرما ، وإذا كان ـ سبحانه ـ قد حباني كل هذه النعم فكيف أرتكب ما يغضبه؟.
وجوز بعضهم عودة الضمير في «إنه» إلى زوجها ، فيكون لفظ ربي بمعنى سيدي
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٤٤٤.