التنازع والاختلاف ...» (١) وقال الشوكانى : ما ملخصه : «وقد قيل في هذه الآية إشكال ، لأن النبي صلىاللهعليهوسلم أرسل إلى الناس جميعا ، ولغاتهم متباينة ...
وأجيب : بأنه صلىاللهعليهوسلم وإن كان مرسلا إلى الثقلين ، لكن لما كان قومه العرب ، وكانوا أخص به وأقرب إليه ، كان إرساله بلسانهم أولى من إرساله بلسان غيرهم ، وهم يبينونه لمن كان على غير لسانهم.
ولو نزل القرآن بجميع لغات من أرسل إليهم ، وبينه الرسول لكل قوم بلسانهم ، لكان ذلك مظنة للاختلاف ، وفتحا لباب التنازع ، لأن كل أمة قد تدعى من المعاني في لسانها مالا يعرفه غيرها.
وربما كان ذلك ـ أيضا ـ مفضيا إلى التحريف والتصحيف ، بسبب الدعاوى الباطلة التي يقع فيها المتعصبون» (٢).
وجملة «فيضل الله من يشاء ويهدى من يشاء» مستأنفة.
أى : فيضل الله من يشاء إضلاله ، أى يخلق فيه الضلال لوجود أسبابه المؤدية إليه فيه. ويهدى من يشاء هدايته ، لا راد لمشيئته ، ولا معقب لحكمه.
«وهو» سبحانه «العزيز» الذي لا يغلبه غالب «الحكيم» في كل أفعاله وتصرفاته.
قال صاحب تفسير التحرير والتنوير : وتفريع قوله «فيضل الله من يشاء ... إلخ» على مجموع جملة «وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم» ، ولذلك جاء فعل «يضل» مرفوعا غير منصوب ، إذ ليس عطفا على فعل «ليبين» لأن الإضلال لا يكون معلولا للتبيين ولكنه مفرع على الإرسال المعلل بالتبيين.
والمعنى : أن الإرسال بلسان قومه لعلة التبيين. وقد يحصل أثر التبيين بمعرفة الاهتداء ، وقد لا يحصل أثره بسبب ضلال المبين لهم» (٣).
وبذلك نرى الآيات الكريمة قد بينت وظيفة القرآن الكريم ، ووظيفة الرسول صلىاللهعليهوسلم كما توعدت الكافرين بسوء المصير إذا ما استمروا في كفرهم وغيهم ، كما وضحت بعض مظاهر قدرة الله ـ تعالى ـ ولطفه بعباده ، وفضله عليهم.
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك ، أن رسالة موسى ـ عليهالسلام ـ كانت أيضا لإخراج
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٣٦٦.
(٢) تفسير فتح القدير للشوكانى ج ٣ ص ١٤.
(٣) تفسير التحرير والتنوير ج ١٣ ص ١٨٨ للشيخ الفاضل بن عاشور.