أظهروها حجة على صحة رسالتهم ، ومرادهم بالكفر بها : الكفر بدلالتها على صحة رسالتهم ...
ثم قال بعد أن ساق عددا من الأقوال : والذي يطابق المقام ، وتشهد له البلاغة : هو الوجه الأول ، ونص غير واحد على أنه الوجه القوى ، لأنهم حاولوا الإنكار على الرسل كل الإنكار ، حيث جمعوا في الإنكارين : الفعل والقول ، ولذا أتى بالفاء تنبيها على أنهم لم يتمهلوا ، بل عقدوا دعوتهم بالتكذيب ...» (١).
ومنها : أن الكفار لما سمعوا أقوال الرسل لهم ، وضعوا أيديهم على أفواههم استهزاء وتعجبا.
وقد رجح هذا الوجه الشيخ محمد الطاهر بن عاشور فقال : «وهذا التركيب لا أعهد مثله في كلام العرب فلعله من مبتكرات القرآن : ومعنى (فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ).
يحتمل عدة وجوه أنهاها في الكشاف إلى سبعة ، وفي بعضها بعد ، وأولاها بالاستخلاص أن يكون المعنى : أنهم وضعوا أيديهم على أفواههم إخفاء لشدة الضحك من كلام الرسل ، كراهية أن تظهر دواخل أفواههم ، وذلك تمثيل لحالة الاستهزاء بالرسل (٢).
ومنها : أن الكفار لما سمعوا أقوال الرسل لهم ، لم يردوا عليهم ، بل تركوهم إهمالا لشأنهم.
وقد رجح الشوكانى هذا الاتجاه فقال ما ملخصه : «وقال أبو عبيدة ـ ونعم ما قال ـ هو ضرب مثل. أى : لم يؤمنوا ولم يجيبوا. والعرب تقول الرجل إذا أمسك عن الجواب وسكت : قد رد يده في فيه. وهكذا قال الأخفش ، واعترض على ذلك القتيبي فقال : لم يسمع أحد من العرب يقول : رد يده في فيه ، إذا ترك ما أمر به وإنما المعنى عضوا على الأيدى حنقا وغيظا ...
فإن صح ما ذكره أبو عبيدة والأخفش فتفسير الآية به أقرب ... (٣).
وهذه الأقوال جميعها وإن كانت تتفق في أن الآية الكريمة ، قد أخبرت بأبلغ عبارة عما قابل به الأقوام المكذبون رسلهم من سوء أدب ...
إلا أننا نميل إلى ما ذهب إليه الإمام ابن جرير ، لأنه أظهر الأقوال في معناها ، وقد استشهد له بعضهم بأشعار العرب ، ومنها قول الشاعر :
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٣ ص ١٧٣.
(٢) تفسير التحرير والتنوير ج ١٣ ص ١٩٦.
(٣) راجع تفسير الشوكانى ج ٣ ص ٩٧ ففيه ما يقرب من عشرة أقوال في معنى الآية.