فكان الجواب : جاء كل رسول إلى قومه بالحجج الواضحات ، وبالمعجزات الظاهرات ، الدالة على صدقه فيما يبلغه عن ربه.
وقوله (فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ ...).
بيان لموقف الأقوام المكذبين من رسلهم الذين أرسلهم الله لهدايتهم.
والضمائر في «ردوا» و «أيديهم» و «أفواههم» تعود على الأقوام الذين جاءتهم رسلهم بالبينات. وهذه الجملة الكريمة ذكر المفسرون في معناها وجوها متعددة أوصلها بعضهم إلى عشرة أقوال :
منها : أن الكفار وضعوا أناملهم في أفواههم فعضوها غيظا وبغضا مما جاء به الرسل ، وقالوا لهم بغضب وضجر : إنا كفرنا بما أرسلتم به وبما جئتمونا به من معجزات ، فاغربوا عن وجوهنا ، واتركونا وشأننا.
ومن المفسرين الذين رجحوا هذا الوجه الإمام ابن جرير ، فقد قال : «وقوله : (فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ ...) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك ، فعضوا على أصابعهم تغيظا عليهم في دعائهم إياهم إلى ما دعوهم إليه ... روى ذلك عن ابن مسعود وغيره.
ثم قال بعد أن ساق عددا من الأقوال الأخرى : وأشبه هذه الأقوال عندي بالصواب في تأويل هذه الآية ، القول الذي ذكرناه عن عبد الله بن مسعود أنهم ردوا أيديهم في أفواههم ، فعضوا عليها غيظا على الرسل ، كما وصف الله عزوجل به إخوانهم من المنافقين فقال : (وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ) فهذا هو الكلام المعروف ، والمعنى المفهوم من رد الأيدى إلى الأفواه (١).
ومنها : أن الكفار وضعوا أيديهم على أفواههم إشارة منهم إلى أنفسهم وإلى ما يصدر عنها ، وقالوا للرسل على سبيل التحدي والتكذيب. «إنا كفرنا بما أرسلتم به» أى : لا جواب لكم عندنا سوى ما قلناه لكم بألسنتنا هذه.
ومن المفسرين الذين رجحوا هذا القول الإمام الآلوسى ، فقد صدر الأقوال التي ذكرها به ، فقال ما ملخصه : قوله (فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ) أى : أشاروا بأيديهم إلى ألسنتهم وما نطقت به ، وقالوا لهم (إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ) أى : على زعمكم ، وهي البينات التي
__________________
(١) تفسير ابن جرير ج ١٣ ص ١٢٧.