التقديرين ، إلا أن الأكثرين ذهبوا إلى أنه ابتداء مخاطبة لقوم الرسول صلىاللهعليهوسلم (١).
ومع أننا نؤيد الإمام الرازي في أن المقصود إنما حصول العبرة بأحوال المتقدمين إلا أننا نميل مع الأكثرين إلى الرأى الثاني ، لأن قوم الرسول صلىاللهعليهوسلم هم المقصودون قصدا أوليا بالخطاب القرآنى ، ولأن الإمام ابن كثير ـ رحمهالله ـ يرى أنه لم يرد ذكر في التوراة لقوم عاد وثمود ، فقد قال :
قال ابن جرير : «هذا من تمام قول موسى لقومه ... وفيما قال ابن جرير نظر والظاهر أنه خبر مستأنف من الله ـ تعالى ـ لهذه الأمة ، فإنه قد قيل إن قصة عاد وثمود ليست في التوراة ، فلو كان هذا من كلام موسى لقومه وقصه عليهم ، فلا شك حينئذ أن تكون هاتان القصتان في التوراة (٢).
والاستفهام في قوله (أَلَمْ يَأْتِكُمْ ...) للتقرير لأنهم قد بلغتهم أخبارهم ، فقوم نوح بلغتهم أخبارهم بسبب خبر الطوفان الذي كان مشهورا بينهم ، وقوم عاد وثمود بلغتهم أخبارهم لأنهم من العرب ، ومساكنهم في بلادهم ، وهم يمرون على ديار قوم صالح في أسفارهم إلى بلاد الشام للتجارة. والمراد بالذين من بعدهم : أولئك الأقوام الذين جاءوا من بعد قوم نوح وعاد وثمود ، كقوم إبراهيم وقم لوط وغيرهم.
وقوله : (لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللهُ) أى : لا يعلم عدد الأقوام الذين جاءوا بعد قوم نوح وعاد وثمود ولا يعلم ذواتهم وأحوالهم إلا الله تعالى.
وقوله (وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) مبتدأ ، وقوله (لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللهُ) خبره ، والجملة اعتراض بين المفسر ـ بفتح السين ـ وهو (نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) وتفسيره وهو (جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ).
والمعنى : لقد علمتم يا أهل مكة ما حل بقوم نوح وعاد وثمود ، كما علمتم ما حل بالمكذبين من بعدهم كقوم لوط وقوم شعيب ، وكغيرهم ممن لا يعلم أحوالهم وعددهم إلا الله ـ تعالى ـ وما دام الأمر كذلك فاعتبروا واتعظوا واتبعوا هذا الرسول الكريم الذي جاء لسعادتكم ، لكي تنجوا من العذاب الأليم الذي حل بالظالمين من قبلكم.
وجملة (جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) مستأنفة في جواب سؤال مقدر ، كأنه قيل ما قصة هؤلاء الأقوام وما خبرهم؟
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ١٩ ص ٨٨ طبعة دار الكتب العلمية ـ طهران.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٤٠٠.