وخلع الأنداد والأوثان ، فما آمن به من قومه إلّا رجال قليل ، والله ما كانوا يقدرون على أن يمنعوا رسول الله ولا أن يعزّوا دينه ، ولا أن يدفعوا عن أنفسهم ضيما غمّوا به.
حتى إذا أراد بكم الفضيلة ساق إليكم الكرامة وخصكم بالنعمة ، فرزقكم الله الإيمان به وبرسوله ، والمنع له ولأصحابه ، والإعزاز له ولدينه ، والجهاد لأعدائه.
فكنتم أشدّ الناس على من تخلف عنه منكم ، وأثقله على عدوّه من غيركم ، حتى استقامت العرب لأمر الله طوعا وكرها ، وأعطى البعيد المقادة صاغرا داخرا ، حتى أنجز الله لنبيّكم الوعد ودانت بأسيافكم له العرب ، وتوفاه الله وهو عنكم راض وبكم قرير عين. استبدّوا أو : فشدوا يديكم ، أو : أيديكم بهذا الأمر فإنه لكم دون الناس ، أو : فإنكم أحق الناس وأولاهم به.
فأجابوه جميعا : أن قد وفّقت في الرأي وأصبت في القول ، ولن نعدو ما رأيت : نولّيك هذا الأمر ، فإنك فينا مقنع ولصالح المؤمنين رضا!
ثم إنهم ترادوا الكلام بينهم فقالوا : فإن أبت مهاجرة قريش فقالوا : نحن المهاجرون وأصحاب رسول الله الأولون ونحن عشيرته وأولياؤه ، فعلام تنازعوننا هذا الأمر من بعده؟!
فقالت طائفة منهم : إذا نقول : منّا أمير ومنكم أمير ، ولن نرضى بدون هذا منهم أبدا ، لنا في الإيواء والنصرة ما لهم من الهجرة ، ولنا في كتاب الله ما لهم ، فليسوا يعدّون شيئا إلّا ونعدّ مثله ، وليس من رأينا الاستيثار عليهم ، فمنّا أمير ومنهم أمير!
فحين سمعها سعد بن عبادة قال : هذا أوّل الوهن (١)!
وكأن كلمة الوهن هذه مهّدت وساعدت عويم بن ساعدة الأوسي أن يقول لهم :
__________________
(١) عن المصادر الثلاثة ، واللفظ الأخير للمعتزلي عن الجوهري.