وانتم أنصار الله ، ووزراء رسول الله ، وإخواننا في كتاب الله ، وشركاؤنا في دين الله وفيما كنا فيه من سراء وضراء ، والله ما كنا في خير قط إلّا كنتم معنا فيه ، فانتم أحبّ الناس إلينا وأكرمهم علينا ، وأحق الناس بالرضا بقضاء الله والتسليم لما ساق إلى إخوانكم من المهاجرين ، وأحقّ الناس أن لا تحسدوهم (!) فأنتم المؤثرون على أنفسهم حين الخصاصة ، وأحق الناس بأن لا يكون انتقاض هذا الدين واختلافه على أيديكم ، وأبعد أن لا تحسدوا إخوانكم على خير ساقه الله تعالى إليهم (!).
وأنا إنما أدعوكم إلى أبي عبيدة أو عمر ، فكلاهما قد رضيت لهذا الأمر وكلاهما أراه له أهلا (١).
فقال عمر وأبو عبيدة : ما ينبغي لنا أن نتقدمك ـ يا أبا بكر ـ وأنت أقدمنا إسلاما ، وأنت صاحب الغار ثاني اثنين ، فأنت أحق بهذا الأمر وأولى به (٢).
فقال الأنصار : والله ما نحسدكم على خير ساقه الله إليكم ، (!) ولا أحد أحبّ إلينا ولا أرضى عندنا منكم (!) ولكننا نشفق مما بعد هذا اليوم ونحذر أن يغلب على هذا الأمر من ليس منّا ولا منكم ؛ فلو جعلتم اليوم رجلا منا ورجلا منكم بايعنا ورضينا ، على أنه إذا هلك اخترنا واحدا من الأنصار ، فإذا هلك كان آخر من المهاجرين أبدا ما بقيت هذه الأمة ، كان ذلك أجدر أن يعدل في أمة محمد ، وأن يكون بعضنا يتبع بعضا ؛ فيشفق الأنصاري أن يزيغ فيقبض عليه القرشيّ ، ويشفق القرشيّ أن يزيغ فيقبض عليه الأنصاري.
فقام أبو بكر فقال : إن رسول الله صلىاللهعليهوآله لما بعث عظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم ، فخالفوه وشاقّوه ، وخصّ الله المهاجرين الأولين من قومه بتصديقه
__________________
(١) عن الجوهري في شرح النهج ٦ : ٧ ، والإمامة والسياسة : ٦.
(٢) اليعقوبي ٢ : ١٢٣ ، والاحتجاج ١ : ٩١ ، وفي الإمامة والسياسة ٦ ، وعن الجوهري في شرح النهج للمعتزلي ٦ : ٨ ، والطبري ٣ : ٢٢١ بزيادة : وخليفة رسول الله على الصلاة.