والإيمان به والمواساة له ، والصبر معه على شدة أذى قومه ، ولم يستوحشوا لكثرة عدوّهم ، فهم أول من عبد الله في الأرض ، وهم أول من آمن برسول الله ، وهم أولياؤه وعشيرته ، وأحقّ الناس بالأمر بعده (!) لا ينازعهم فيه إلّا ظالم (!).
وأنتم يا معشر الأنصار من لا ينكر فضلهم ، ولا النعمة العظيمة لهم في الإسلام ، رضيكم الله أنصارا لدينه ولرسوله ، وجعل إليكم مهاجرته فليس بعد المهاجرين الأولين أحد عندنا بمنزلتكم ، فنحن الأمراء ، وأنتم الوزراء ، لا نفتات دونكم بمشورة (١) ولا نقضي دونكم الأمور!
فقام الحباب بن المنذر بن الجموح فقال :
يا معشر الأنصار ؛ املكوا عليكم أيديكم ، فإنما الناس في فيئكم وظلكم ، ولن يجترئ مجترئ على خلافكم ، ولن يصدر الناس إلّا عن رأيكم ، أنتم أهل الإيواء والنصرة ، وإليكم كانت الهجرة ، ولكم في السابقين الأولين مثل ما لهم ، وأنتم أصحاب الدار والإيمان من قبلهم ، والله ما عبدوا الله علانية إلّا عندكم وفي بلادكم ، ولا جمعت الصلاة إلّا في مساجدكم ، ولا دانت العرب للإسلام إلّا بأسيافكم ، فأنتم أعظم الناس نصيبا في هذا الأمر : فاملكوا عليكم أمركم ، وإن أبى القوم فمنّا أمير ومنهم أمير.
فقام عمر فقال : هيهات! لا يجتمع سيفان في غمد واحد ، إن العرب لا ترضى أن تؤمّركم ونبيّها من غيركم ، وليس تمتنع العرب أن تولّي أمرها من كانت النبوة فيهم واولو الأمر منهم (!) لنا بذلك الحجة الظاهرة على من خالفنا ، والسلطان المبين على من نازعنا من ذا يخاصمنا في سلطان محمد وميراثه ونحن أولياؤه وعشيرته ؛ إلّا مدل بباطل أو متجانف لإثم ، أو متورّط في هلكة!
فقام الحباب بن المنذر فقال :
__________________
(١) افتات عليه في الأمر : إذا حكم دونه ، أو : طغى عليه واستأثر به.