حول القصر ، ثم ركبها ودبّ عليها حتى كان بحيال ميمنة المسلمين ، كبّر وحمل على ميسرة الفرس بسلاحه بين الصفّين ، فقتل رجالا كثيرا من فتّاكهم ونكّس آخرين ، ثم غاص في المسلمين حتى خرج من ميسرتهم وحمل على ميمنة الفرس بسلاحه لا يبدر له فارس إلّا هتكه حتى هابوه فتوقّفوا عنه. ثم رجع فغاص في ميسرة المسلمين فبرز أمامهم ووقف بإزاء قلب المشركين ، فلم يبرز منهم فارس إلّا اختطفه حتى لم يبرز إليه منهم فارس.
ومن حضر من فرسان المسلمين مثل عمرو بن معدي كرب ، وطلحة بن خويلد الأسدي ، والقعقاع بن عمرو ، وهاشم بن عتبة المرقال وسائر فتّاك العرب وأبطالهم ينظرون إليه وقد حاروا في أمره ، وسعد وهو مشرف على الناس من قصره وجعل يقول : والله لو لا محبس أبي محجن لقلت : هذا أبو محجن وهذه البلقاء.
وتراجع أبو محجن حتى دخل القصر من حيث خرج ورد البلقاء إلى مربطها وعاد إلى محبسه ووضع قيده في رجله. فلما أصبحوا ذهبت سلمى إلى سعد فصالحته وترضّته ثم أخبرته خبر أبي محجن ، فدعا به وقال : اذهب فما أنا مؤاخذك (١) لا والله لا أحدّ اليوم رجلا أبلى الله المسلمين على يديه ما أبلاهم! وخلّى سبيله. فقال أبو محجن : لقد كنت أشربها إذا كان يقام عليّ الحدّ أطهّر منها! فأما إذا بهرجتني فو الله لا أشربها أبدا (٢).
__________________
(١) مروج الذهب ٢ : ٣١٤ ـ ٣١٧ ، وهو خبر الطبري ٣ : ٥٤٧ ـ ٥٥٠ ، عن سيف بتحريفاته في أول الخبر وآخره ، وعدّلناهما بخبري الطبري عن ابن اسحاق ، وخبري الإصابة والاستيعاب عن محمد بن سعد بن أبي وقاص ، وانظر وقارن : عبد الله بن سبأ ١ : ٢٣٥ ـ ٢٤٢.
(٢) الطبري ٣ : ٥٥٠.