وفي ثالث أيام القادسية أصبح الفريقان على مصافهم ، وأصبحت (الأرض) بين الفريقين حمراء من كثرة الدماء ، قتل من الفرس ما لا يحصى ومن المسلمين ألفان وخمس مائة ما بين قتيل وجريح. وأحرز المسلمون قتلاهم وحملوهم إلى وراء ظهورهم عند حصن العذيب ، فالجريح يعالجه النساء والشهداء يدفنهم النساء والصبيان (١).
والليلة الرابعة سميت ليلة القادسية وليلة الهرير ، والناس فيها حيارى لم يغمضوا ليلتهم كلها. وحرّض رؤساء القبائل عشائرهم ، وبدأ القتال واشتد حتى الزوال ، فلما قام قائم الظهيرة تأخّر الهرمزان والنيرمران (؟) فانفرج القلب ، وهبّت ريح عاصف فأطارت سقيفة رستم عن سريره في نهر العتيق ، ومال الغبار عليهم ، وانتهى القعقاع وأصحابه إلى سرير رستم وقام رستم عنه فاستظلّ بظل بغال عليها أموال ، فضرب هلال بن علقمة حمل البغل فوقع العدل على رستم ، فمضى رستم حتى رمى نفسه في نهر العتيق وتعقّبه هلال حتى تناول رجله وخرج به وضربه بسيفه حتى قتله ، ورجع حتى صعد سريره ونادى : قتلت رستم وربّ الكعبة ، فجبن المشركون (كذا) وانهزموا وأخذهم السيف فمن قتيل وغريق.
وكان ثلاثون ألفا منهم قد تحالفوا بالنور في بيوت النيران أنهم يقترنون بالسلاسل فلا يبرحون حتى يقتحموا أو يقتلوا ، وقرنوا أنفسهم بالسلاسل ،
__________________
(١) وفي الطبري أكثر تفصيلا ٣ : ٥٤٢ و٥٥٠ ، وقتلى المشركين (كذا) بين الصفّين اضيعوا لا يعرضون لهم : ٥٥١ ، وقتلى المسلمين أيضا : ٣ : ٥٦٥. وفي ٥٨١ : عن أم كثير النخعية وقد شهدت القادسية قالت : لما أتانا الخبر أن قد فرغوا ، شددنا علينا ثيابنا وأخذنا الهراوي وأتينا القتلى فمن كان من المسلمين سقيناه ورفعناه ، ومن كان من المشركين (كذا) أجهزنا عليه ، ومعنا الصبيان.