فلما صلّوا الصبح جمع الرهط وبعث إلى من حضره من المهاجرين ، وأهل السابقة والفضل من الأنصار ، وإلى امراء الأجناد فاجتمعوا حتى امتلأ المسجد ، فقام وقال : أيها الناس ، إن الناس قد أحبّوا أن يلحق أهل الأمصار بأمصارهم وقد علموا من أميرهم.
فقال عمار بن ياسر : إن أردت أن لا يختلف المسلمون فبايع عليا!
فقال المقداد بن الأسود : صدق عمّار! ، إن بايعت عليا قلنا : سمعنا وأطعنا!
فقال سعد بن أبي سرح : إن أردت أن لا تختلف قريش فبايع عثمان!
فقال عبد الله بن أبي ربيعة : صدق ، إن بايعت عثمان قلنا : سمعنا وأطعنا.
وقال عمّار لابن أبي سرح : ومتى كنت ناصحا للمسلمين؟! ثم التفت إلى الناس وقال لهم :
أيها الناس ؛ إن الله عزوجل أكرمنا بنبيّه ، وأعزّنا بدينه ، فأنّى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيّكم؟
وحيث كان عمّار حليف بني مخزوم قام إليه رجل منهم وقال له : يا ابن سميّة لقد عدوت طورك! وما أنت وتأمير قريش لأنفسها!
فقال سعد لابن عوف : افرغ قبل أن يفتتن الناس!
فنادى عبد الرحمن : أيها الرهط ، إني قد نظرت وشاورت فلا تجعلن على أنفسكم سبيلا (١).
ثم ركب المنبر فوقف يدعو خافتا ، ثم تكلّم فقال : أيها الناس ، إني قد سألتكم سرّا وجهدا عن إمامكم ، فلم أجدكم تعدلون بأحد هذين الرجلين :
__________________
(١) تاريخ الطبري ٤ : ٢٣٢ ـ ٢٣٣. هذا وقد مرّ أن عمر كان قد ولّاه الكوفة في صدر هذه السنة ، فيبدو أنه رجع ليحجّ ، وبعد حجّه كان يومئذ في المدينة ، وسيأتي أن عثمان أقرّه على عمله لفترة ثم عزله.