ثم تكلم عقيل فقال : يا أبا ذر ، أنت تعلم أنا نحبّك ، ونحن نعلم أنك تحبّنا ، وأنت قد حفظت فينا ما ضيّع الناس إلّا القليل ، ولذلك أخرجك المخرجون وسيّرك المسيّرون ، فثوابك على الله عزوجل. واعلم أن استعفاءك البلاء من الجزع ، واستبطاءك العافية من اليأس! فدع اليأس والجزع وقل : حسبي الله ونعم الوكيل.
ثم تكلّم الحسن عليهالسلام فقال : يا عمّاه! إن القوم قد أتوا إليك ما ترى ، وإن الله تعالى بالمنظر الأعلى ، فدع عنك ذكر الدنيا بذكر فراقها ، وشدة ما يرد عليك لرخاء ما بعدها ، واصبر حتى تلقى نبيّك وهو عنك راض إن شاء الله.
ثم تكلّم الحسين عليهالسلام فقال : يا عمّاه! إن الله تبارك وتعالى قادر أن يغيّر ما ترى وهو كل يوم في شأن ، إن القوم منعوك دنياهم ومنعتهم دينك ، فما أغناك عما منعوك وما أحوجهم إلى ما منعتهم ، فعليك بالصبر ، فإن الخير في الصبر من الكرم.
ثم تكلّم عمّار رضى الله عنه فقال : يا أبا ذر ، أوحش الله من أوحشك! وأخاف من أخافك! إنه والله ما منع الناس أن يقولوا الحقّ إلّا الركون إلى الدنيا والحبّ لها! ألا إنّما الطاعة مع الجماعة ، والملك لمن غلب عليه ، وإنّ هؤلاء القوم دعوا الناس إلى دنياهم فأجابوهم إليها ووهبوا لهم دينهم! فخسروا الدنيا والآخرة وهو الخسران المبين.
ثم تكلّم أبو ذر رضى الله عنه فقال : عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، بأبي وأمي هذه الوجوه ، فإني إذا رأيتكم ذكرت رسول الله بكم ، ومالي بالمدينة شجن ولا سكن غيركم ، وإنه ثقل على عثمان جواري بالمدينة كما ثقل على معاوية بالشام ، فآلى أن يسيّرني إلى بلدة فطلبت إليه أن يكون ذلك إلى الكوفة فزعم أنه يخاف أن أفسد على أخيه (١) الناس بالكوفة وآلى بالله أن يسيّرني إلى بلدة لا أرى فيها أنيسا ،
__________________
(١) يعني الوليد بن عقبة أخا عثمان لامّه.