وجاء الأشتر فقالا له : إن عاملكم الذي قدمتم فيه قد ردّ عليكم وأمر بتجهيزكم في البعوث. فقال الأشتر : وأيم الله! لو لا أني أنفدت النفقة وأنضيت الظهر لسبقته إلى الكوفة لأمنعه من دخولها! فأسلفه كلّ منهما خمسين ألف درهم! فقسمها بين أصحابه ، وخرجوا إلى الكوفة ، فسبق سعيدا ، وصعد المنبر وعليه سيفه ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :
أما بعد ، فإن عاملكم الذي انكرتم تعدّيه وسوء سيرته قد ردّ عليكم وأمر بتجهيزكم في البعوث! فبايعوني على أن لا يدخلها!
فبايعه من أهل الكوفة عشرة آلاف (١) ثم تقدّم الأشتر فصلى الجمعة بالناس ، ثم أمر كميل بن زياد ليخرج ثابت بن قيس الأنصاري من القصر فأخرجه منه ، وكان فيه مال سعيد ومتاعه فأباحه للناس فنهبوه حتى أنهم قلعوا أبواب الدار ، ثم أمر الأشتر زياد بن النضر أن يلزم القصر ويصلّي بهم العصر.
وانفرد البلاذري في خبره هذا بأن الأشتر تقدّم إلى عمّال الكوفة أن يضبطوا نواحيهم ويسكّنوا الناس ولا يجبونهم. وبلغه أن الأكراد بناحية الدّينور من بلاد الجبل قد أفسدوا ، فبعث الأشتر هانئ بن أبي حيّة الوداعي الهمداني في ألف فارس إلى حلوان فقاتلهم مقتلة عظيمة وأوقع بهم وبقى محافظا لطريق الجبال إلى كرمانشاه.
وبعث إلى المدائن وسواد بغداد إلى خانقين يزيد بن حجيّة التيمي ، وإلى ما دون المدائن عروة بن زيد الطائي.
وبعث عائذ بن حملة في خمسمائة إلى أرض واسط بينه وبين البصرة ، وبعث جمرة بن سنان الأسدي في خمسمائة إلى عين تمر بينه وبين الشام ،
__________________
(١) مروج الذهب ٢ : ٣٣٧ ـ ٣٣٨.