ثم روى المعتزلي : أن أبا سفيان التقى بجماعة من المهاجرين فيهم الزبير بن العوام ثم خلا بهم مع علي والعباس ، فتكلّموا معهما بكلام يقتضي الاستنهاض والتهييج.
وكأنّ عليا عليهالسلام أكرم عمّه العباس فقدّمه في الجواب فقال لهم :
قد سمعنا قولكم ، فلا لقلّة نستعين بكم ، ولا لظنّة نترك آراءكم ، فأمهلونا نراجع الفكر ؛ فإن يكن لنا من الإثم مخرج يصرّ بنا وبهم الحق صرير الجد جد ، نبسط إلى الجدّ أكفّا لا نقبضها أو نبلغ المدى! وإن تكن الأخرى ، فلا لقلة في العدد ولا لوهن في الأيد ، والله لو لا أنّ «الإسلام قيد الفتك» لتدكدكت جنادل وصخر يسمع اصطكاكها من المحلّ العليّ.
فحلّ علي عليهالسلام حبوته وقال : التقوى دين ، والحجة محمد ، والطريق الصراط ، أيها الناس ، شقّوا أمواج الفتن بسفن النجاة ، وعرجوا عن طريق المنافرة ، وضعوا تيجان المفاخرة. أفلح من نهض بجناح ، أو استسلم فأراح! هذا ماء آجن ، ولقمة يغصّ بها آكلها! ومجتني الثمرة لغير وقت إيناعها كالزارع بغير أرضه ، فإنّ أقل يقولوا : حرص على الملك ، وإن أسكت يقولوا : جزع من الموت! هيهات! بعد اللتيا والّتي! والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي امّه ، بل اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطويّ البعيدة (١).
__________________
(١) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ١ : ٢١٨ ، ٢١٩ و٢١٣ وفي ٢١٥ علّق على آخر الخطبة قال : وهذا إشارة إلى الوصية التي خصّ بها عليهالسلام ، ومن جملتها الأمر بترك النزاع في مبدأ الاختلاف فيه وعليه. وروى الخطبة سبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة الأمة بخصائص الأئمة المعروف بتذكرة الخواص : ١٢١ ، عن مجالد عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما دفن رسول الله جاء العباس وجماعة من بني هاشم ومعهم أبو سفيان فقالوا لعلي عليهالسلام مدّ يدك نبايعك ، وحرّضوه ، فامتنع وخطب فقال .. وذكر مثله في كتاب له عليهالسلام إلى أبي بكر ، في الاحتجاج ١ : ١٢٧ ، ١٢٨. وما رواه المعتزلي هنا عن العباس أولى مما يرويه في ٢ : ٤٨ ، عن الجوهري عن الكلبي عن ابن عباس عن أبيه العباس ، مما يفيد أنه وافق أبا سفيان.