فقال قيس : رحمك الله يا أمير المؤمنين ، قد فهمت ما ذكرت ، أما قولك : اخرج إليها بجند ، فو الله إن لم أدخلها بجند آتيها به من المدينة لا أدخلها أبدا ، فإذا أدع ذلك الجند لك فان احتجت إليهم كانوا قريبا منك ، وإن أردت بعثهم إلى وجه من وجوهك كانوا عدّة لك ، ولكنّي أسير إليها بنفسي وأهل بيتي! وأما ما أوصيتني به من الرفق والإحسان ، فإن الله تعالى هو المستعان على ذلك.
ثم أمر علي عليهالسلام كاتبه ابن أبي رافع أن يكتب له عهده فكتب :
بسم الله الرحمنِ الرحيم ، من عبد الله أمير المؤمنين إلى من بلغه كتابي هذا من المسلمين (١) سلام عليكم ، فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلّا هو ، أما بعد ، فإن الله ـ بحسن صنعه وتقديره وتدبيره ـ اختار الإسلام دينا لنفسه وملائكته ورسله ، وبعث به الرسل إلى عباده ، وخصّ من انتجب من خلقه ، فكان مما أكرم الله به هذه الامة وخصهم به من الفضيلة : أن بعث محمدا صلىاللهعليهوآله إليهم ، فعلّمهم الكتاب والحكمة والفرائض والسنة ، وأدّبهم كيما يهتدوا وجمعهم كيلا يتفرقوا ، وزكّاهم كيما يتطهّروا ، فلما قضى من ذلك ما عليه قبضه الله إليه ، فعليه صلوات الله وسلامه ورحمته ورضوانه ، إنه حميد مجيد.
ثم إن المسلمين من بعده استخلفوا امرأين منهم صالحين ، عملا بالكتاب وأحسنا السيرة ولم يتعدّيا السنة (٢) ثم توفّاهما الله (فرحمهماالله). ثم ولي من بعدهما وال أحدث أحداثا فوجدت الامة عليه مقالا ، ثم نقموا عليه فغيّروا ثم جاءوني فبايعوني ، فأستهدي الله الهدى وأستعينه على التقوى. ألا وإنّ لكم علينا العمل بكتاب الله وسنة رسوله والقيام بحقّه ، والنصح لكم بالغيب ، والله المستعان وحسبنا الله ونعم الوكيل.
__________________
(١) فلم يكن الكتاب إلى محمد بن أبي حذيفة العبشمي ، فلعلّه عليهالسلام لم ير من الصالح إقرار تغلّبه على مصر.
(٢) ذلك ولو بالنسبة إلى من بعدهما.